من التوازن إلى الحياد إلى الجدوى وصولا إلى النتائج الإيجابية , في المقابل عرف العالم وعن كثب آليات أخرى بديلة من الانحياز إلى التجني والافتراء إلى الكذب والتضليل والتعمية , وصولا إلى النتائج التي جاءت في أغلبيتها الساحقة سلبية تماما , مثل أنموذج محاربة الإرهاب والأصولية في أفغانستان , وأنموذج تصدير الديمقراطية إلى العراق وإحقاق حقوق الإنسان فيه , حيث استشرت الأصولية وانتشر الإرهاب بدل أن ينحسر , وحيث دخل العراق في متاهة الصراعات المذهبية والإثنية وفي حالة اللا استقرار واللا أمن ومازال .. دون أن يكتسب الديمقراطية أو أن يحفظ حقوق إنسانه .
اليوم , ومن خلال ملف الأزمة في سورية وتداعياته الدولية والإقليمية , يبدو العالم واقفا على عتبة مرحلة جديدة ونوعية مختلفة تماما , تتقطع فيها خطوة خطوة أوصال التسلط والهيمنة الأميركية والغربية ليس على مستوى المنطقة العربية والشرق الأوسط فحسب , بل وعلى المستوى العالمي , ويبدأ هذا العالم استعادة ما فقده من الأمن والاستقرار ليس عبر تراجع الهيمنة الأميركية الغربية وانكفائها من تلقاء نفسها , بل عبر إرجاعها الروسي - الصيني المشترك إلى حجمها الطبيعي ووقف تقدمها الوحشي .
إن قراءة واقعية وصحيحة لنسق التحولات الدولية الجارية منذ رفع مندوبا الصين وروسيا فيتو النقض المزدوج والمتزامن في وجه مجلس الأمن , ولمرتين متتاليتين خلال أشهر قليلة , تدل بوضوح ظاهر أن ثمة توقا عالميا للعودة بالعالم إلى توازنه واستقراره وانضباط قواه الكبرى , وأن ثمة قرارا دوليا أيضا تجري صياغته بهدوء وحزم في آن معا لوقف مسلسل التعديات والهيمنات التي مارستها القوى الدولية النافرة فوق سطح التوازن , ولن يطول الوقت كثيرا حتى تنقضي تلك المرحلة البائسة التي قادت خلالها هذه القوى مصير العالم , وأودت به إلى الكثير من التوتر والألم وسفك الدماء تحت لواء جملة من العناوين المضللة والمزيفة .