هذا إذا استمر النظر إلى المشهد، أو التعامل معه، من شقوق الحائط، لا من مصلحة سورية شعباً ودولة. ودعونا نذكر فقط بما كتبه برهان غليون في العدد 5/6 من مجلة «جسور» العربية - الأميركية التي أسست عام 1992، عن النظام العالمي الجديد «الذي لا يقوم إلا على علاقات الحرب والنهب والتسلط وطمس انتهاكات حقوق الإنسان ونشر الفوضى والخراب في كل مكان من أجل السطو على الموارد العالمية واحتلال المواقع الاستراتيجية».
مثلما قلنا دعونا نذكر، دعونا نتساءل ما إذا كان قد حصل تبدل في مفهوم، أو فلسفة، أو آلية ذلك النظام الذي قد يزداد ضراوة مع تنامي الأزمة البنيوية التي يواجهها الغرب وصدور مواقف حتى خلال منتدى دافوس تحض على إحكام السيطرة على الشرق الأوسط، موارد ومحاور جيو- استراتيجية، حتى إن ريتشارد بايبس لم يتورع عن اللجوء إلى تلك المقارنة الفظة قائلاً «مثلما أتانا المسيح من هناك لإنقاذنا من الشيطان، ليكن ذاك المسيح الآخر (أي المال) الذي ينقذنا من السوبر شيطان».
لابد من أن تذهب المكيافيلية هنا إلى حدودها القصوى أجهزة الاستخبارات تنشط بكل قوتها لتسويق لغة الانهيار داخل المجتمعات العربية التي أدارت ظهرها من زمان للطائفية أو للمذهبية بوجهها الجهنمي وها إن سياسيين وإعلاميين يفترض أن يكونوا بارزين ماداموا مرصعين بالذهب، يجاهرون علناً ويدعون علناً إلى إشعال ذلك الصراع الذي يعني حتماً تقويض الأمة العربية أو ما تبقى منها..
أليس المطلوب أن نتحول إلى مستودع لا نهائي لتماثيل الشمع، وإن بأشكالنا الباذخة، على أفضل وجه نقوم بالدور، وندفع عقارب الساعة نحو الهاوية.
لاحظوا كيف أنهم يعارضون أي محاولة للم الشمل بين السوريين والسوريين، لاحظوا كيف يستخدمون مخالبهم، لا ألسنتهم، من أجل تفعيل لعبة الدم، ودائماً من أجل أطفاء الروح في سورية، أجل الروح السورية التي هي روح الأمة..
لا ريب أن عوامل كثيرة أسهمت في صناعة هذه اللحظة ودون تبرئة أحد من المسؤولية ولكن حينما نصل إلى ذاك المفترق وحيث لا خيار سوى الانتحار الجماعي، وفي الهاوية إياها فلماذا لا نصغي إلى أصوات أصدقاء أصدقاء لكل السوريين لا لجهة دون أخرى، ونجلس وجهاً لوجه لإنقاذ ما تبقى أجل ما تبقى لأن الكارثة حطمت الكثير من أحلامنا أيضاً حطمت الكثير من أنيننا الذي يستخدم الآن وكما تلاحظون في سوق النخاسة..
سوق النخاسة المزدهر هذه الأيام، ولكن ألا تلاحظون أن السيناريو بدأ يتخلخل، لكن المهم أن تتوقف أوديسة الدم، وأن نغسل أيدينا وضمائرنا في الحال ونلبي دعوة من يقول لنا أنتم إخوة، الإخوة الرائعون دائماً، ولاسبيل أمامكم سوى أن تتحاوروا لأن الوقت مثل الدم يذهب ولا يعود..