ومازال ثمة صوت حالم يقول: «إن القومية العربية, على الرغم من إخفاقاتها وأخطائها ومعاركها الخاسرة هي المخرج الحضاري الوحيد من المأزق الدموي الذي نعيشه» ويعني كعرب في كل أقطارهم وإماراتهم وممالكهم.
يقولون «إن معركة الهوية اليوم تدور بين ثلاثة نماذج ضاغطة لابد من التوصل إلى تسوية تاريخية تنبثق عنها: الهوية الإسلامية, والهوية الغربية, والهوية العربية النهضوية».
هل صحيح إذاً أن صراعاتنا كلها تنشأ عن تلك الثلاثية؟
لأننا نقع على الخارطة في (كوريدور) جغرافي لا يفتأ يمر منه وعبره شعوبٌ وغزاةٌ وطالبو ثروات, وحالمون بأرض تدور حول كرسي عرشهم.. مازلنا نعاني ونصارع من أجل هوية نقية, مع أن النقاء هنا, وغير هنا, يبدو مستحيلاً.
نحن نتاج حضارات متعاقبة وعظيمة شكلت عجينة ثقافتنا الملونة والمتنوعة وربما المتناقضة أحياناً.. فأي معنى في كل ما يبذل لاختصارها في هوية واحدة: إسلامية.. وليس جميعنا مسلمين.. أو عربية.. وليس جميعنا عرباً.. لماذا لا تكون هوية إنسانية... هوية انتماء.. هوية مدنية؟! إنها ديكتاتورية الأكثرية مرة أخرى!
الهوية والحرية والديمقراطية ليست تميمة نعلقها, أو (حجاباً) يشخبط مضمونه شيخٌ مدّعٍ أو موتورٌ ما لننقعه في سطل ماء ونستحم به! كيف يمكن أن نكون أحراراً وديمقراطيين ونحن لا نجيد التحاور.. كيف لنا أن نجيد التحاور ونحن لا نجيد الإصغاء.. كيف لنا أن نجيد الإصغاء وكلٌّ منا على يقين أن صوته هو الأعلى والوحيد.. كيف لنا أن نبني مجتمعاً حراً وديمقراطياً وثمة آفات تهتك نسيجه في التربية والتعليم والثقافة وحقوق المرأة والطفل وحقوق المواطنة!؟
كيف نبني مجتمعاً حراً إذا كان شيخ مدّعٍ قادراً على تحريك الشارع, بينما لا يقدر مفكّر متنور علماني على تحريك سوى قلمه؟!
هم يريدون الحرية.. نحن أيضاً نريدها.. هم يريدون الديمقراطية.. نحن أيضاً نريدها... فكيف حدث أن تصادمنا وقتلنا وشوّهناوهجّرنا!!
suzan_ib@yahoo.com