تتشكل صورة الدولة في الأذهان التي عادة ما تؤسس وتبني على الصورة المتشكلة، بل يجري تحميل الصورة المواقف والمسلكيات التي اذا ما ترسخت مع مرور الزمن يكون من الصعب جدا التأثير فيها لجهة التعديل أو التغيير السلبي أو الايجابي.
واذا كان من الثابت أن الصورة الايجابية ستنتج مواقف ومسلكيات ايجابية فان الصورة السلبية قد تنتج ما هو أسوأ منها وتترك آثارا أكثر عمقا في المجتمع بسبب طبيعة البشر التي تميل الى استبدال وتغيير المنظومات المجتمعية القيمية حتى عندما لا تكون متيقنة من أنها الأفضل!.
وهذا بحث آخر لا يتسع المجال للخوض فيه، غير أنه يتصل اتصالا عضويا عميقا بكينونة وتكون المجتمعات المدنية المنظمة لا يمكن تجاهله اذا ما أريد للدولة (شكل المجتمع المنظم) أن تأخذ مسارات تضمن بقاءها واستمراريتها.
ويعتقد أن سن التشريعات والقوانين التي تنظم الحياة المجتمعية هو أحد أهم موجبات قيام الدولة، على أن سر ديمومتها يكمن في احترام طرفي المعادلة (الدولة والمواطن) لهذه التشريعات والقوانين، ومن هنا – من الممارسة – تنشأ صورة الدولة وتتكون وتتضح ملامحها الأساسية وملامح المجتمع أيضا، ذلك أن الممارسة هي المحك الأساسي والمعيار الحقيقي للأداء العام.
بالأداء والممارسة ترتسم الصورة وتتضح الخطوط العامة والأساسية، وتقع مسؤولية رسمها وتحديد خطوطها على الطرفين، وهي مهمة مشتركة بالضرورة، بمعنى أنه لا يمكن لطرف دون الآخر أن يقدم الصورة الكاملة لكن التأثير المتبادل بينهما عظيم وكبير، اذ يبدو حتميا أن يجر أو يستجلب خطأ أحدهما خطأ الآخر.
وعندما نتحدث عن الممارسة والأداء فمن الطبيعي أن يقودنا ذلك الى الحديث عن الفساد أم الآفات ومشكلة المشكلات التي اذا ما وقع المجتمع فيها فانه يفقد كل الجوانب المضيئة في الصورة التي ربما حرص على رسمها واستغرق عقودا طويلة لتثبيتها.
فالفساد يمثل أحد أهم العناصر التي تهشم صورة الدولة والمجتمع، وهو كآفة لا يمكن له أن ينمو ويستحكم الا بتوفر شروط وعوامل الوجود والنشوء والنمو التي تقتضي أولا وأخيرا وجود عنصرين (الدولة والمواطن) اللذين يتحملان مسؤوليته بالمقدار ذاته في الاتجاهين، اذ لا يمكن للدولة أن تكافح الفساد وحدها تماما كما لا يمكن للمواطن أن ينمي الفساد وحده.
من هنا وانطلاقا من هذه المسلمات ينبغي أن تتشكل القناعة بوجوب أن يحرص الجميع على صورة الدولة والمجتمع، وأن تدرك جميع الأطراف مسؤوليتها ودورها في تشكيل هذه الصورة التي نريدها حضارية مضيئة ويريدها أعداء سورية والأمة – الغرب واسرائيل والأعراب – جاهلية مظلمة... وقد اخترنا منذ زمن بعيد... وسننجح في محق جاهليتهم والفساد وكل أمراض وآفات المجتمع، وسننجح في بناء دولتنا المتجددة أبدا لتكون بأبهى صورها.