الأطلال تجسيد أولي لذاكرة المكان فأنت لاتشتاق لأكوام حجارة وتراب فقط.. بل هي معنى عشته وألفته ومن هنا يرتبط المكان بالحنين إليه، بالشوق إلى استعادته في الإبداع يبدو المكان جلياً واضحاً شاء المبدع أم أبى فثمة أماكن لايمكن أن يهجرها أن يغادرها لايقوى على فعل ذلك، حتى لوهجرها جسداً لكنها تبقى راسخة في الضمير متجسدة في إبداعه.
من منا لايتذكر مسقط طفولته وملاعب الصبا وأماكن اللهو ومقاعد الدراسة..؟! إذا كنا نحن الذين لانعمل في الإبداع نشعل هذه الأماكن ذكريات فكيف بالمبدعين؟ نزار قباني ودمشق المهاجرة في دمه المبحرة في عروقه.. دمشق الماء والياسمين والكرامة والأهل والطفولة أنسنها حتى صارت امرأة ولاأي امرأة إنها أروع نساء الأرض.
نجيب محفوظ وزقاق المدق حيث يغدو المكان بطلاً للرواية و في رحلة عطائه يجعل حواري القاهرة وشوارعها أماكن مسافرة مع أشرعة الحلم حتى غدا الأمر جغرافيا الأبطال الروائيين فكم من سائح قصد خان الخليلي وزقاق المدق ومقهى الفيشاوي لأن سحر المكان استنشقه من إبداع محفوظ وإذا كانت الأجزاء ليست هي الكل فهذا لايعني أن سحر المكان الكلي بعيد أبداً..حلب مدينة سيف الدولة الحمداني وملاعب الصبا.. هي أجمل وأروع مكان كان يشتاقه أبو فراس الحمداني والمتنبي...وعمر أبو ريشة..ولؤي كيالي ووليد إخلاصي..
والمكان كحالة جغرافية محايد لامعنى له إلا إذا كان مفعماً بالحياة، شاهد عليها على مافيها فالمرء الذي يعلن نوافير حنينه إلى مكان ما.. بالتأكيد يفعل ذلك إلى كل لحظة عاشها فيه.. إلى أحداث ووقائع لاإلى جماد...
وإننا حين نستحضر المكان كإشارات سريعة في أعمال مبدعينا فإننا لاننسى أن نقول إنها إشارات سريعة وندعو إلى قراءة البحر مكاناً رائعاً في أدب حنا مينة، والغوطتين شوقاً وحنيناً عند بدوي الجبل وبردى عند شوقي والأخطل ودمشق وبهاؤها عند سعيد عقل...
إنه المكان نعده مدناً، قرى، عواصم، فهندسة بناء وشوارع ليعود ويهندس حياتنا من جديد لأن حجارته وترابه وكل مافيه تأنسنا وصار جزءاً منا وصرنا جزءاً منه.. ومن هنا كانت صرخة أبي نواس في مهب الريح حين قال: عاج الشقي على رسم يسائله وعجت اسأل عن خمارة البلد...؟!
ويبقى بيت البدوي يصدح: سقى الله عند اللاذقية شاطئاً...
as.abboud@gmail.com