لكنّ الاقتصادي يعالج مشكلة مجتمع بأكمله من دون أن يقسم يمينا محددا، ومن جهة أخرى فإن للاقتصاديين هفواتهم كما للأطباء أخطاؤهم، فتصور عالماً اقتصادياً كبيراً بحجم (جون ماينارد كينز) قال مرة ودون ذلك في كتابه (إذا ماملأت وزارة الخزانة الزجاجات القديمة بأوراق البنكنوت ودفنتها في مناجم فحم مهجورة، وتركتها للمؤسسات الخاصة للبحث عنها وإخراجها مرة أخرى, فلن يظهر المزيد من البطالة، وعلى الأرجح سيتزايد الدخل الحقيقي لأفراد المجتمع بشكل كبير عما هو عليه بالفعل)، وهذا ينسجم مع ماروى عنه في ثلاثينات القرن الماضي بقوله أن الحل لمشكلة الكساد الذي تعاني منه أوروبا في ثلاثينات القرن الماضي هو اعتماد مبدأ (دع العمال يحفرون الآبار ثم يهدمونها)، وفي هذا إشارة إلى زيادة الإنفاق وبالتالي الدخل مما يؤثر على زيادة الاستهلاك ويحرك قوى الإنتاج المعطلة ويفعل المواقع الإنتاجية وبالتالي تتحرك الدورة الاقتصادية ويقل معدل البطالة....الخ.
فهل هذه طريقة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي لمواجهة كل الانحرافات التي يواجهها الاقتصاد الوطني، ومن أهمها الابتعاد عن التوظيف الكامل والتشغيل الأمثل والتضخم المرتفع والركود الاقتصادي...الخ، وللوصول إلى معدل بطالة منخفض وزيادة في الإنتاجية والدخل الحقيقي والمحافظة على دين حكومي منخفض وتقليل عجز الموازنة ..الخ، وكما يستخدم الطبيب مبضعه وأدواته فإن الاقتصادي يستخدم السياسة النقدية والمالية وغيرهما، فمثلا في حالة الركود الاقتصادي يكون المطلوب إعطاء جرعات لتقوية نبض الاقتصاد وزيادة الإنتاج وبالتالي زيادة الطلب الإجمالي من خلال زيادة النمو النقدي من خلال التحكم بآلية فرض الضرائب وتحديد شرائحها ومعدلاتها أو الإنفاق الحكومي أوالاثنين معا، وهما يؤديان إلى زيادة الشراء والتسوق من السلع والخدمات وبالتالي تنشيط الدورة الاقتصادية من الإنتاج والتوزيع والاستهلاك وتقديم خدمات مابعد التسويق،وهذا دعت إليه السياسة الاقتصادية الكينزية (نسبة إلى الاقتصادي جون ماينارد كينز) وهنا يكون الدور الأساسي للسياسة المالية ولكن بشرط أن نبتعد عن (العلاج بالصدمة).
وتجدر الإشارة هنا إلى أن تلمس النتائج المباشرة للتغيرات المترتبة على السياسة المالية هي أسرع منها في السياسة النقدية، حيث إن السياسة النقدية تمارس تأثيرها بشكل غير مباشر على الإنفاق والناتج المحلي الإجمالي GDP من خلال أدواتها الأساسية المؤثرة على الإنفاق العام والخاص من خلال معدل التضخم وارتفاع الأسعار وسياسة الائتمان وسعر الصرف ومعدل الفائدة وهل تستهدف التضييق أم التوسع النقدي، وهذه تتطلب إحكام التوازن في كل إجراء لذلك يشبهها البعض بمن (يسير على حبل مشدود)، وهنا يكون الدور المهم والحيوي لخبراء الاقتصاد وخاصة مجلس النقد والتسليف في البنك المركزي السوري، ونظرا لأهمية هاتين السياستين فإن السياسة الاقتصادية يجب أن تسعى لتحقيق المزج الأمثل بينهما، بحيث يؤدي إلى خلق الطلب الفعال وتوجيه الإنتاج نحوه وتفعيل السياسة الاستثمارية وتحويل المدخرات الوطنية إلى قنوات استثمارية مضمونة، وجوهره توزيع الأدوار حسب الحالة الاقتصادية التي يشهدها الاقتصاد الوطني في مرحلة ما وظروف معينة، وبالتالي فإن هذا المزج يجب أن يتغير من مرحلة لأخرى، مثل وصفات علاج التضخم و زيادة الانتاجية و معدل البطالة...الخ), ولكن بشكل أساسي يجب أن تكون هذه الوصفات منسجمة مع بعضها البعض وليست متضاربة.