ولعل السؤال المهم هنا هو هل يتصرف السيد مون على أساس هذه القناعة ويغير في مسار اجتراح الحلول للأزمة من خلال وضع كل الدول الفاعلة والمؤثرة فيما يجري على الساحة السورية من قتل وعنف وتخريب أمام مسؤولياتها انطلاقاً من الحرص على السلامة والأمن والاستقرار الدوليين بحيث يقوم مجلس الأمن بما يجب عليه القيام به وهو إلزام كل الأطراف الفاعلة في الأزمة بالخيار السياسي والامتناع عن كل شكل من أشكال الدعم العسكري والمالي والتحريض الإعلامي وتهريب المسلحين أو الدفع بهم إلى الأراضي السورية وهو الذي يؤدي إلى زيادة ورفع منسوب العنف وإراقة المزيد من الدماء والدفع بالأزمة إلى مزيد من التعقيد ويدخل الجميع في نفق مظلم.؟
إن استقالة كوفي عنان عن متابعة مهمته لا تعني أنها أصبحت خارج التداول السياسي فهي من وجهة نظر الكثيرين لا زالت تمثل أساساً صالحاً لحل الأزمة السورية، هذا إذا ما توفرت الإرادة السياسية لدى الأطراف الدولية التي كانت هي الأساس في ولادتها لتعطيها الدينامية الضرورية لتكون الإطار العام لحل الأزمة، وهنا تبدو استقالة عنان وعدم رغبته في استمرار مهمته ليس لقصور في كفاءته ومهنيته أو عدم معرفته الإمساك بخيوط اللعبة لا بل إن معرفته بحقائق الأمور ومراكز القوى المؤثرة في الحل وعدم تعاونها معه بالشكل المطلوب هو الذي جعله يحجم عن الاستمرار وهنا ومن وجهة نظرنا وبعيداً عن تحميل المسؤولية في الفشل للقوى التي نعلم تماماً أنها هي التي كانت السبب الرئيسي فيه يمكن أن تكون استقالة عنان وسيلة ضغط على تلك القوى لكي تعيد النظر بموقفها السلبي من خطته وتقوم بما يجب عليها القيام به وتتخذ مواقف واضحة وصريحة تتمثل بالضغط على أطراف الأزمة التي لم تلتزم ببنود الخطة ووقف العنف و مصادره والكف عن تزويدها بالسلاح والمال وغيرها من عناصر ساهمت في تفاقم الأزمة ووصولها إلى نقطة اللاعودة.
لقد أبدت سورية أسفها لاستقالة كوفي عنان وكذلك الكثير من الأطراف الدولية انطلاقاً من قناعتها بأن النجاح يمكن أن يكون حليفه لو توفرت المعطيات الحقيقية لذلك ووجد التجاوب المطلوب واللازم لإنجاح خطته ومن باب الحرص أيضاً على الخروج من الأزمة بأقل الخسائر ومنعاً لاتساع دائرة العنف وانتقالها إلى مناطق أخرى خارج الإقليم السوري بحكم أن المنطقة تمثل منظومة أمنية متكاملة إضافة إلى أنها مترابطة بمكوناتها الثقافية والدينية والعرقية وهذا يعني أن الجميع في دائرة الخطر والاستهداف وهنا يصبح المجتمع الدولي وفي المقدمة منه المنظمة الدولية وأمينها العام أمام تحد حقيقي يتمثل في القدرة على أن يجعل من خطوة كوفي عنان بالاستقالة قوة دافعة لخطته باتجاه إنجاحها عبر الآلية التي أشرنا إليها سواء بالطلب إليه الاستمرار في مهمته في مناخ جديد يعمل في إطاره أم تكليف غيره بذلك وإما الاستسلام لإرادة القوى الشريرة التي سعت لإفشالها ونجحت في ذلك وخاصة أن البعض منها بدأ يتحدث عن ضرورة تغيير مسار الحل وإدخال تعديلات على الخطة ما يفقدها مضمونها ومقبوليتها وهذا يعني من وجهة نظرنا دخول المنطقة في المجهول الذي لا تحمد عقباه ولا قدرة لأحد على تحمل تبعاته وتداعياته على الأمن والسلم الدوليين؟
khalaf.almuftah@gmail.com