أثّر العنصر العسكري غير العربي, خلال فترة طويلة من حكمه لمنطقتنا مثل السلاجقة والديلم والأتراك...., على علاقة النص القرآني بالواقع وتفاعله معه- وفقاً لنصر حامد أبو زيد- عبر تضخيمٍ لأهمية القوة المادية, وتهوينٍ لشأن الوعي العقلي والثقافي. ومن المعروف أن حكم العسكر يقوم على الانغلاق الفكري ورفض الحوار وسيادة مبدأ الرضوخ.
هنا تحولت النصوص الدينية من (موضوعات للفهم والتفسير والتأويل إلى أشياء تستخدم للزينة أو لالتماس البركة, وتحول القرآن من «نص» إلى «مصحف» ومن «دلالة» إلى «شيء») وإلا كيف نفسر عدم تناسب ارتفاع مستوى الوعي الأخلاقي والثقافي للناس مع ارتفاع نسبة انتشار التدين!
في ظروف الإفقار والتجهيل والتهميش ينشط الفكر الديني المتطرف ليشكّل وعياً زائفاً ومنقلباً يحيل صبّ النقمة الناتجة عن وضع سياسي واقتصادي متردٍّ, إلى فئة أو طائفة بعد التمهيد لشيطنتها وتكفيرها وبالتالي تحليل قتلها.
المبادرة الوليدة التي يتبناها مفكرون وسياسيون ومثقفون لاعتبار الفكر الديني المتطرف (الوهابي مثالاً) فكراً عنصرياً لا يقل عدوانية عن التمييز العنصري في جنوب أفريقيا أو غيرها أو عن النازية التي دمرت نصف العالم بفكر يعتقد أنه الأفضل, هي مبادرة هامة ويجب علينا جميعاً الإسهام فيها كل حسب موقعه وجهده.
في مواجهة المد الديني المتطرف الذي يصنّف البشر على أساس العقيدة لا على أساس الثقافة أي على أساس الجزء لا الكل, باعتبار العقيدة جزءاً من الثقافة, لابد من تجييش الحراك الثقافي والفني والتشكيلي والموسيقي.. علينا محاربة ذاك الفكر المنغلق الإقصائي بفكر تنويري مضاد يشيع الحريات الفردية بكل أشكالها, والمظاهر المدنية والعلمانية في البلاد.. (وقبل كل هذا اعتماد العدالة الاجتماعية في توزيع ثروات البلد).
أي حضارة نريد إشادتها اليوم وتركها لأبنائنا؟
وكلّنا.. كّلنا مسؤول.
suzan_ib@yahoo.com