حيث الذرائع الكثيرة التي سقطت تباعاً, لم تترك لهم الفرصة لاستدراك ما اعتقدوا أنه بمقدورهم القفز فوقه, وثمة من يذهب بعيداً عن حرجه لحد التسرع في الاستنتاج المتسرع, وغير المنطقي, مرة أخرى.
وتتقارب في هذا الإطار الكثير من المعطيات التي تصل حد الجزم بافتراضات, القول إن ما يجري لم يكن ممكناً لولا براعة دبلوماسية وسياسية, أتقنتها سورية وكانت موضع تحريك, وربما قلباً لكل المعادلات التي أطلقتها سياسة العين الواحدة, وروجها مكيال الاختلال الذي تعاني منه العلاقات الدولية.
وتبرز هنا العديد من المقولات الرائجة رواج الشهادات المدفوعة الثمن مسبقاً, بحيث نسمع تلميحاً هنا, وتصريحاً هناك, ولا يخلو الأمر من غمز من قناة الاتهام مرة أخرى, لتبدو المفارقة على أشدها.
فقد سمعنا الكثير من التحليلات التي غردت خارج السرب كعادتها, ولم تتردد في تقديم قراءة مغلوطة للكثير من المفاهيم, ووصل الأمر إلى التشكيك بكل ما صدر حتى الآن ولم تنسَ التمهيد للتشكيك بكل ما سيصدر لاحقاً.
فحين كانت الجوقة المعتادة تردد ببغائية ما يقوله الآخرون, وجدت نفسها غريبة, بعد أن تأكد التعاون السوري مع لجنة التحقيق الدولية, وإزالة المعوقات التي كانت تحول دون ذلك, وسط ترحيب لم يتردد حتى الأميركيون في إعلانه, وقد سبقهم الأمين العام للأمم المتحدة.
وبالتالي المعضلة القائمة اليوم بنظر أولئك تتركز في البحث عن مبررات للخروج من مأزق الاتهام الذي ساروا به, وعن ذرائع للانخراط من جديد في الحلقة القائمة اليوم, حيث تتباين المواقف وتنكشف الكثير من المعطيات التي أعتقد حتى وقت قريب أنها عصية على الكشف.
ولكن ما هو مهم اليوم هو شيء مختلف, بل ومتغير وفق حركة الأحداث وتداعياتها, ولاسيما حين يرتبط ذلك بانفراط عقد الكثير من الاعتقادات التي تم الترويج لها, فأضحت في عرفها وفي أوهامهم جزءاً من المشهد.
وإذا ما أخذنا كل ذلك بعين الاعتبار وتم النظر إلى خلف ما هو ظاهر, فإن الكثير من التفاصيل المهمة لابد أن تحضر بحكم متغيرات الموقف, وباعتبار أن الذين صفقوا للاستهداف باتت أكفهم معلقة في الهواء, تتحرك بعشوائية عبرت عنها استنتاجاتهم الساذجة حول ما تحقق حتى الآن.
ولعل الاصطفاف المجاني تحت لافتة لغة التدرج في القول حيناً والفعل أغلب الأحيان تعكس قدراً من التراجع في المهمة, وفي الدور لم يسلم حين سقطت الذرائع, وحين تبدلت المعطيات لتقود في اتجاه آخر مغاير.
وفي كل الأحوال, الرهان الفعلي والحقيقي يقوم على مسلمة الإدراك أن سورية التي أكدت رغبتها بالتعاون مع لجنة التحقيق الدولية, قد أثبتتها واقعاً في الفعل والقول, فيما الآخرون وهم كثر يتزاحمون على اقتسام ما تبقى في سلة الهبات للقوى النافذة, يجمعون في السر والعلانية على أن الحدث ينطوي على مفصلية مهمة ومثيرة, سيكون لها ما بعدها كما كان لها ما قبلها.
وبناء عليه تجري محاولات الاصطفاف يميناً ويساراً لشغل مساحة تتباين تبعاً للموقف وللحظة وللحدث, تتعجل في البحث عن موقع, وتلهث وراء دور أو شبه دور مهما تكن تراتبيته, ولا تغفل الحاجة إلى سقف يغطي انكشافها للرياح التي تحرك اتجاهاتها ومواقفها, وبالتأكيد مواقعها التي فقدتها.