حتى خرجوا يدسّون طريقهم في العتمة لخوفهم من الضوء الذي كان سيكشف الخيبة التي ارتسمت على وجوههم نتيجة إجبارهم على الرحيل، أي خلافاً لما يسوقوه عن أن الانسحاب جاء في إطار التزامهم بالاتفاقية الموقعة مع العراق 2008.
العراقيون وبعد تسلّمهم آخر قواعد الغزاة، لا يزالون بانتظار خروج آخر الجنود الأميركيين في الخامس والعشرين من الشهر الجاري، ليطووا فعلاً صفحات قاتمة من تاريخ بلدهم عمرها تسع سنوات، حمل خلالها الاحتلال الويلات والدمار للعراق وأهله.
من المؤكد أن الانسحاب المذل للأميركيين من العراق أعطى درساً لكل مستعمر قد يطمع ببلاد الغير أن البقاء فيها أمر مستحيل، مادام المقاومون يتوالدون من رحم الحرية والإيمان بعدالة قضيتهم، ويعرفون أيضاً أن المستعمر لايهمه إلا مصالحه، ونهب خيرات الشعوب مهما ردد على مسامعهم من شعارات، وأن من يساعدونه في إتمام عدوانه ليسوا أكثر من مطية لتحقيق غاياته، وبالتالي لا بد من مواجهته بشتى السبل حتى يتحقق الجلاء عن أرضهم.
آن للجرح العراقي أن يلتئم ويحق للعراقيين أن يلتقوا على الوحدة الوطنية، ويحافظوا على نسيجهم الاجتماعي الغني وأن يعززوا روح الحوار، وتقديم مصلحة الوطن على كل المصالح الفئوية الضيقة كي يتمكن العراق من النهوض مرة أخرى والخروج إلى مستقبل جديد يأخذ فيه دوره الطبيعي والاستراتيجي على مستوى المنطقة والعالم، ولاسيما أن أمامه تحديات اقتصادية وسياسية لايستهان بها.
وعليه إن مواجهة هذه التحديات يتطلب مراجعة كل الاتفاقات الموقعة مع الأميركيين، وخاصة التي لاتتفق مع مصالح الشعب العراقي، ومعاملة واشنطن الند للند، والبحث عن علاقات جديدة وآفاق أخرى للتعاون مع المشرق والمغرب والجوار الإقليمي، إذ من المهم جداً خروج الاحتلال، ولا شك أن ذلك إنجاز يحسب للعراقيين، لكن الأهم هو الحفاظ على هذا الإنجاز، والتنبه إلى خطورة المرحلة القادمة التي تتزامن مع هجمة استعمارية غاشمة تستهدف المنطقة ككل.