فقد ظلت هذه المقدسات وفي طليعتها المساجد عرضة للتخريب والحرق والتدنيس من المستوطنين الإسرائيليين المحميين من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي، في حين اقتصرت ردود فعل المنظمة الإسلامية في أحسن الأحوال على عبارات الشجب والإدانة دون أن تصل إلى حدود الفعل المؤثر الذي يردع الصهاينة عن سلوكياتهم المشينة التي تنم عن الوقاحة والحقد الدفين على كل ما يمت للإسلام بصلة.
فمنذ اغتصاب فلسطين عام 1948 لم يتوقف مسلسل الاعتداءات على المساجد ليرتفع عدد المساجد المدمرة إلى أكثر من 1200 مسجد، بحيث لم يتبق منها في أراضي ما يعرف بمناطق ال 48 سوى مئة مسجد وهي تتعرض بين الحين والآخر للاعتداء ومحاولات الحرق، وقد عمدت سلطات الاحتلال في كثير من الأحيان إلى تحويل بعض هذه المساجد إلى كنس لليهود كمسجد العفولة ومسجد طيرة الكرمل ومسجد أبو العون، فيما حول بعضها الآخر إلى خمارات كمسجد بيسار، وناد ليلي كمسجد السكسك في منطقة يافا، بينما تم تحويل مسجد عسقلان إلى مطعم ومتحف صهيوني.
وكان لافتا منذ بداية عام 2010 استمرار الاعتداءات الممنهجة ضد المساجد الفلسطينية وبشكل يدل على أنها سياسة متبعة من قبل الدوائر الصهيونية، حيث تم إحراق عشرات المساجد وتدميرها، وقد أرفقت أعمال التخريب والحرق بكتابات وعبارات مسيئة للإسلام وللنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وكان لافتا أيضا ترك المستوطنين الجناة عبارات توضح رقم المسجد المستهدف في مسلسل الحرق والتدمير كعبارة (المسجد رقم كذا الذي يحرق) وهذا ما دفع الكثير من المراقبين للجزم والاعتقاد بوجود تنظيم صهيوني متخصص بمثل هذه الأعمال القذرة تغطيه سلطات الاحتلال، وما يعزز هذا الاعتقاد موقف السلطات الإسرائيلية مما تتعرض له هذه المقدسات والذي يتلخص بالرعاية والحماية لتلك الأعمال الإجرامية قبل تنفيذها ومن ثم شجبها والتنصل منها بعيد تنفيذها مع ترك المنفذين طلقاء دون عقاب، كما جرى مع الإرهابي الصهيوني دينيس مايكل الذي أقدم على حرق المسجد الأقصى والذي أطلق سراحه فيما بعد بحجة أنه مجنون، مع العلم بأن الدلائل أشارت في ذلك الحين إلى تورط مجموعة كاملة في الجريمة وأن هناك آخرين شاركوه في الجريمة، إلا أن سلطات الاحتلال لم تجر تحقيقا في الحادث ولم تحمل أحدا مسؤولية ما حدث وأغلقت ملف القضية بعد أن اكتفت باعتبار الفاعل مجنونا.
قبل أيام عاد مسلسل استهداف المساجد إلى الواجهة، حيث أكد فلسطينيون من قرية برقة في مدينة رام الله بالضفة الغربية أن مستوطنين صهاينة أحرقوا مسجد القرية ما ألحق به أضرارا جسيمة.
وقد أوضح رئيس مجلس القرية عبد القادر عبد الجليل أن أهالي القرية لاحظوا بعد منتصف ليل الأربعاء 14 كانون الأول الجاري نيرانا تلتهم الطابق العلوي المخصص للنساء من المسجد وقاموا بإخمادها قبل أن تلتهم المسجد المكون من ثلاث طبقات، وأضاف عبد الجليل أن عبارات بالعبرية كتبت داخل المسجد تقول «الحرب بدأت».
رواية عبد الجليل أكدتها أيضا محافظة رام الله والبيرة ليلى غنام التي زارت المسجد المحترق التي قالت بدورها «أنها ليست المرة الأولى التي يعتدي فيها المستوطنون على قرية برقة إذ أنهم يعيشون في بؤرة استيطانية قريبة ويرهبون كل أهالي القرى المجاورة».
وجدير بالذكر أنه منذ حوالي شهرين أقدم متطرفون يهود على إحراق مسجد النور في قرية الزنغرية الواقعة في منطقة الجليل شمال فلسطين المحتلة، وقبل ذلك بشهرين أحرق المستوطنون مسجد في قرية المغير شمال مدينة رام الله.
إذا هذه الأفعال المشينة باتت سياسة إسرائيلية متبعة ضد الفلسطينيين، وهدفها القضاء على كل أثر أو معلم إسلامي يثبت أحقية الشعب الفلسطيني بهذه الأرض، وهي تترافق مع عمليات تدنيس للمقابر وقطع وقلع أشجار الزيتون وهدم للبيوت وتهجير سكانها وبناء مستوطنات، وجرائم قتل وترويع وإرهاب ضد السكان، يمارسها المستوطنون بدعم ورعاية وحماية قوات الاحتلال الإسرائيلية، وهؤلاء بالطبع لا يتحركون بوحي من أنفسهم، وإنما لهم من يمثلهم ويدفعهم من حاخامات ورجال دين متطرفين وكذلك أحزاب سياسية ودينية بالإضافة إلى وزراء في الحكومة ونواب في الكنيست.
وما يدعم هذا الرأي ما قاله المجرم الذي أقدم على حرق المسجد الأقصى من أن ما قام به كان تلبية لنبوءة موجودة في سفر زكريا، مؤكدا أن ما فعله واجب ديني كان ينبغي أن يقوم به، معلنا أنه قد ارتكب فعلته هذه كمبعوث من الله!!
ولكن على الرغم من الدلائل الكثيرة التي تثبت تورط الحكومة الإسرائيلية في هذه الجرائم فقد بقيت ردة الفعل الإسلامية دون المطلوب ولم تتجاوز حدود المناشدات الأخلاقية وبيانات الشجب والاستنكار الفارغة، وقد بات المطلوب سياسة عربية وإسلامية مغايرة، سياسة تتخذ خطوات فعالة على الأرض تكسر وتشل يد الإرهاب الصهيونية التي تعتدي على وطن الرسالات والنبوة وتحاول تدنيس القبلة الأولى وثالث الحرمين، وهي سياسة نقطة ارتكازها نصرة الشعب الفلسطيني ودعم مقاومته وحماية مقدساته لأنها ملك للأمة جمعاء.