أحد أهم وجوه الباروكية الإسبانية أي المرحلة الكلاسيكية في إسبانيا افتتح أول الطرق لبناء المسرح القومي الإسباني وكان قد شكل مع معاصره الشهير سيرفانتس الصرح المسرحي العظيم لإسبانيا الذي وصفه بـ أن لوب دي فيغا ملك المسرح.
اعتبرته إسبانيا أعظم كاتب عرفته في تاريخها وهو في ذلك لايقل أهمية عن شكسبير بالنسبة لانكلترا وقد أعجب الشعب الإسباني به لدرجة أنه كلما شاهد أو قرأ عملاً عظيماً كان يقول هذا من عمل (لوب).. لقد بلغ من تقدير العامة له أن اسمه دخل اللغة الإسبانية كعلم على أغلى مايتداوله الناس من ذهب وفضة وحرير .
فإذا أراد رسام أن يسمي إحدى لوحاته بأرفع الأسماء أطلق عليها اسم لوب وكذلك فعل البائعون والتجار...
تميز لوب بغزارة إنتاجه غير العادية إذ يقال إنه كتب حوالي2200 مسرحية لكن ماوصل إلينا لايتعدى الـ 500مسرحية وكان يكتب المسرحية خلال يومين أوثلاثة وقد ظهرت موهبته الكتابية في الـ14 من عمره.
ولم يكن كاتباً مسرحياً فقط، بل كان كاتباً وشاعراً وروائياً مثقفاً ملماً باللغات اللاتينية والإغريقية والإيطالية والإسبانية القديمة والفرنسية والبرتغالية ...ولم تقتصر شهرته على إسبانيا إنما تعدتها إلى أوروبا وبقية دول العالم...
في عصر لوب طغت الشخصيات الأسطورية الغارقة في الخيال إلى جانب الشخصيات الواقعية في الكوميديا... وجاء ليعيد صياغة الواقع ويرقى به إلى مستوى الشعر، وأخذ الحدث المسرحي ووضعه في سياق منطقي محكم، فصار الحدث يتطور منطقياً بما يتناسب مع سلوك الشخصيات والأفعال التي تقوم بها. ولغة لوب هي مزيج من اللغة الشاعرية واللغة العادية.
ورفض أيضاً التقسيم التقليدي للتراجيديا والكوميديا، فالشخصيات الكوميدية تصنع المعجزات، وهذه المعجزات لم تعد حكراً على الشخصيات التراجيدية.
لكن ميزة ( لوب) هو أنه لم ينسخ الواقع كما هو وإنما عالجه معالجة شعرية.
وكان يفرق بين المسرحيات على أساس موضوعاتها واختلاف حدة الصراع فيها، فيقسم المسرحيات معتمداً على موضوعاتها التاريخية أو البطولة.
ويسجل التاريخ لـ (لوب) أنه ابتدع ما يسمى (دراما البطولة) أي الدراما التي تتمحور حول مفاهيم كالشرف والفروسية.. فالشرف قيمة أخلاقية عالية في المجتمع الاسباني، وأن تسيء إلى شرف إنسان فمعنى ذلك أن تسلبه القدرة على الحياة.
رغم أن لوب كان غزير الانتاج ومحافظاً على الجودة وسعة الاطلاع والثقافة فكتب مسرحيات (دراما- كوميديا- أعمال دينية ودنيوية) لكن هذه الغزارة والتنوع تنصاع إلى رغبات مديري المسارح والممثلين طلباً للمال. وأوقعه ذلك بمشكلات فنية كثيرة جعلت النقاد يحملون عليه كثيراً. وكان من الممكن أن تبلغ مسرحياته كلها الكمال لو أنه أهمل الجانب المادي منها. ما حدا بزميله ومعاصره سيرفانتس لانتقاده بحدة.
فهذا الفنان المبدع والعبقري استخدم موهبة رفيعة استخداماً مبتذلاً، وكان الأسلوب والتوجه (الشعبيان)اللذان أشاعهما في المسرح الإسباني قد انتقصا من شأن هذا المسرح، وقد انحاز التاريخ بمجمله الى جانب (سيرفانتس) في هذا الجدل ، فهبط بـ (لوب) في سلم القيم العالمية بعيداً رغم شهرته وعبقريته وإبداعه الفذ. ولعل ذلك يعود بسبب المال.
واذا ماسولت لأحدهم نفسه بأن يناقش جودة مسرحيات (لوب) وأن يعتقد بأنه كتبها طلباً للمجد.. كان لوب ينبهه بقوله: «أعيدوه إلى رشده وقولوا اني كتبتها من أجل المال».
ثم يؤكد ذلك بقوله: «أن نتحدث للعامة بالتفاهات ونشبع ذوقهم بقدر مايدفعون».