تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


جنّات للمسرحي التونسي رضا بوقديدة: الشائعة بصفتها تضخيماً وتحريفاً للحادثة التاريخية‏



مسرح‏
الأربعاء 21-12-2011‏
أنور محمد‏

حوَّل الكاتب رضا بوقديدة في كتابه (جنَّات) فجائعية المصير المأساوي الواقعي وليس التخييلي الذي كلَّف البنت (جنَّات) حياتها لحظة سقطت في البئر وهي تملأ جرَّتها بالماء إلى نص مسرحي مهم.‏

حيث قام بإجراء بحث تاريخي حول ظروف موتها الغامض؛ اعتمد فيه على الروايات الشفهية لشيوخ وعجائز.إضافة إلى وثيقة تاريخية عثر عليها في بحثه تفيد أنَّ «جنَّات» البنت (البكر) بنت عامر بن محمد بن يوسف الشافعي البالغة من العمر ستة عشر عاماً قد سقطت في البئر يوم الاثنين عشرين من رجب عام 1313 الموافق السادس من جانفيه/ك2 الإفرنجي سنة 1896 قضاءً وقدراً حسب والديها.وهذا مارفضه عامَّة الناس لتنبعث الإشاعات وتكثر الأسئلة التي يتكفَّل رضا بوقديدة في الإجابة عليها في نص مسرحي من الشعر الشعبي في ثلاث عشرة لوحة.‏‏‏‏

الناقد «فرج الحوار» في تقديمه للمسرحية رأى في هذه الحكاية أنَّ الفن تقدَّم التاريخ فوصل إلى مكمن السر وصاغه في شكل درامي فاجعي؛ يذكِّر بالأساطير العتيقة؛ فقد سبقت الأسطورة التاريخ؛ بل إنَّ هذا الأخير ما كان بالإمكان أن يكون لولا الأسطورة؛ فهي القادح الذي ساعد على ظهوره وبلورته. إنَّ ما يضفي على الخبر التخييلي (وهو مصطلح مشترك في النقد القديم بين التاريخ والأدب والعلوم الدينية) شرعية الوجود؛ هو صموده أمام الحقيقة التاريخية؛ بل ومزاحمته لها وانتصاره عليه. هكذا ننتقل من التاريخ إلى الأدب؛ وبصورة أدق من التاريخ إلى الأسطورة الأدبية فتتحوَّل «جنَّات» بموجبه إلى شخصية أسطورية من قبيل ليلى حبيبة المجنون؛ أو إيزوت؛ أو دون جوان؛ أو بروموثيوس. وهذا هو تحديداً ما يفسِّر التعدد أو التنويع حول أصل ثابت يتمحور حول موضوع الموت؛ وبصورة أدق فضيحة أو صدمة الموت.‏‏‏‏

تضطلع الشائعة في هذا السياق بصفتها تضخيماً وتحريفاً للحادثة التاريخية بمهمة إبراز الطابع الفاجعي لهذه الواقعة؛ والتأكيد من خلال ذلك على الأثر البليغ الذي خلَّفته في وعي المجموعة. هذا الشعور الفاجع إزاء الطابع القهري للموت هو ما عبَّر عنه الوعي الجمعي من خلال الأغنية المرثية التي صمدت لفعل الزمن. وهكذا تصبح اللحظة الفاجعية؛ وهي بؤرة النص قابلة للمعاينة؛ أي للحياة؛ باعتبار أنَّ الغاية منها ليست غاية توثيقية.كما هو الحال بالنسبة للخبر التاريخي؛ وإنما غاية فنية صرفة. إنَّ الأمر يتعلَّق هنا بإحياء الماضي؛ أي باستحضاره في إطار معلوم ولفترة معلومة؛ في تجلياته الخطابية والمعيشية؛ شملت اللباس والمأكل والزينة.والصناعات؛ والعادات والشعائر؛ أي أنها تصوير للماضي برمته بجزئيات تعجز عنها المنهجية التاريخية. الخطاب التخييلي في مسرحية «جنَّات» كما كتبها رضا بوقديدة حسب فرج الحوار يروم الحقيقة هو الآخر.‏‏‏‏

ولكنها حقيقة من طبيعة مختلفة؛ لا يهم في إطارها أن يكون هناك تطابق بين ما جرى فعلاً وما كان يمكن أن يجري؛ أي ما يتوهَّم الرأي العام أنَّه جرى؛ وهو مما يسوق؛ بقوة الشائعة؛ على أنه حدث؛ فليس من شأن الفنان أن يقرِّر أو يدحض لأنَّ « الشائعة» مما لا يستقيم عمله بدونه.وإنما هو تنصيص على الضوابط والكوابح التي تحكم الواقع المعيش؛ إذ تتنزَّل الشائعة في إطاره كفعل انتهاكي يصدر عن وعي فطري بالطابع القهري القمعي لهذا الواقع. التشنيع على جنَّات؛ المتمثل في رميها بالزنا؛ هو في حقيقته تشنيع على القوانين الضاغطة التي تحول دون انتعاش العاطفة الجياشة.‏‏‏‏

الحقيقة التاريخية هي حقيقة تنقيبية استقرائية استنتاجية تستند إلى معطيات مادية معلومة؛ ممثلة في النصوص المرجعية؛ أما الحقيقة التخييلية فتقوم أساساً على نبذ المرجع المادي وتهميشه.وذلك باختلاق مرجعيات أخرى؛ هي بالذات تلك التي لا تقرها المنهجية التاريخية وتنفر منها لما تتسم بها من ذاتية؛ وهي التي يشير إليها بو قديدة بالفعل «قالوا»؛ أو بقوله: «كلام ناس/ تأويلات/ دعايات». وهكذا تتحوَّل الفاجعة؛ المتمثلة في اختفاء جنَّات؛ لا إلى مأساة كما هو متوقَّع؛ وإنَّما إلى فضيحة.‏‏‏‏

الناشر: مطبعة قوس قزح. تونس 2010‏‏‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية