تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


مشـــــروع فــــردي أم جماعــــي؟

ثقافة
الاثنين 11-11-2013
 سجيع قرقماز

كان يصعب مجرد التفكير بأن الثقافة يمكن أن تكون مشروعاً فردياً في عصر الإيديولوجيات، والمجتمعات التكتلية الكبرى والصغرى، لأن الحمولة الأيديولوجية لهذا الوسط الثقافي كانت عالية ً جداً،

وكان التصنيف السياسي، والحزبي، على أشده. وبالتالي فإن المؤشر الأهم لهذا التصنيف كان يتمثل في مدى انخراط المثقف في الجو العام، بغض النظر عما إذا كان هذا الانخراط منتجاً أم غير منتج، لذلك كانت الدهشة تساورنا نتيجة ابتعاد بعض المثقفين المبدعين ابتعاداً، يكاد يكون كلياً عن الوسط الثقافي، و زهدهم في التواصل مع الشأن الثقافي،وربما يحدث هذا اليوم أكثر من ذي قبل !‏

يرى الدكتور إحسان عباس في هذا الشأن: « ان المشروع الثقافي هو إبداع ٌ فردي - في المقام الأول- ولا بد أن يقترن بقدرة المبدع على الإخلاص لهذا المشروع، وعلى متابعته بدأب ٍ وصمت وجلد، دون هوادة، ودون أدنى استجابة لأي ابتزاز ٍ يمكن أن يُضمن بصيغة العتب أو بصيغ أخرى قد تصل حد الإحباط.»‏

وهذا يعني أن كل ما يحدث باسم الثقافة من تعميم ٍ، أو ما يطلقه البعض من ثرثرة ٍ فارغة ٍ باسم الثقافة، هو في النهاية هباء منثور، ولايبقى إلا ما ينفع الناس.‏

الثقافة العربية والفردية؟‏

لماذا لا تتصف الثقافة العربية والإسلامية بالفردية ؟ وهل يعني ذلك السلب أم الإيجاب في الحالة الثقافية العربية الإسلامية ؟ بمعنى هل هذا جيد ٌ،أم سيئ ٌ في الثقافة العربية؟ وهل غياب الفردية، هو سبب ٌ أساسي ٌ لاستمرار حالة التخلُّف الحضاري الذي نعيش رغم جميع دعوات الإصلاح والنهوض والتنوير ؟ أم أن الفردية هي قدرنا،وهي الحل الوحيد للإبداع والتفرد الثقافي والمعرفي ؟‏

وفي الوقت الذي ذهب فيه المفكرون العرب إلى مذاهب مختلفة لتفسير الواقع العربي المتخلف، وعدم قدرتهم على تجاوز ذاتهم، سواء بوضع المسؤولية على الأيديولوجيات التي تحكمت بحركة الاستقلال وما تلاها من أنظمة، وأنماط ما تزال مسيطرة ً حتى اليوم، أو في لوم الأسس المعرفية للتفكير والعقل العربي - وقد شاعت مؤخراً دراسات عدة حول الأسس المعرفية للعقل والثقافة العربية-‏

كل ذلك فإن بُعداً واحداً لم يلق الاهتمام والعناية اللازمة، رغم أنه هدف ووسيلة كل نهوض أو تطوير أو إصلاح، ألا وهو الاهتمام بالفرد كذات ٍ مستقلة ٍ تؤسس المجتمع ولكنها لا تذوب فيه، مما يعطي دفعا ً للتفكير العقلاني، وإبداء الرأي في أمور ٍ إيديولوجية ٍ هامة ٍ، وهذا ما حدث مع المفكر الكبير (الياس مرقص)..‏

تاريخيا ً‏

الثقافة إذا ً هي حالة تأثرٍ بالأساس، وتأثيرٍ بالنتيجة، بمعنى أن الفرد يتلقى ثقافة ً من المجتمع الذي يعيشه في البيت أو المدرسة ووسيلة الإعلام وهكذا، ولكن يعود ليؤثر في ذات المجتمع بما طوَّره هو أو أضافه هو حتى إذا تراكمت هذه الإضافات الفردية من عدة أفراد أثرت بالمجتمع لتصبح هذه الإضافة أحد مفردات الثقافة العامة.‏

كما أن الفردية ليست مرتبطة ً بالفلسفة الحرة «الليبرالية»، مع أنها أساس ٌ جوهري ٌ لها، وهو وعي الفرد لذاته المستقلة. وبهذا فإنَّ مُقابِل الفردية هو «الجمعية».‏

لكن يبقى السؤال: هل تُنَاقِضُ الثَّقافةُ العربيَّةُ الفَردِيَّةَ:‏

لم يعرف العربُ الدولة الحديثة و المجتمعَ السياسيَّ بمعناه الحر الحديث، وقد كانت العرب قبائل مستقرة أو متنقلة حيث يحكمها عُرْفٌ يطبقه شيخ القبيلة. وعليه فإن الحكم القبلي هو حكم ٌ جمعي تكون الطاعة فيه للقبيلة وعاداتها وشيخها، وقد كان الخروج عن القبيلة من الذنوب الكبيرة التي تستحق في أغلب الأحيان العقاب والطرد من القبيلة.‏

وقد جاء الإسلام ليحارب التعصب والجمعية لكنه تعامل مع القبيلة وثقافتها باعتبارها واقعاً قائماً حتى أنه أخذ ببعض ما كانت عليه القبيلة من أعراف كقانون إسلامي مثل تقسيم الإرث بين المرأة والرجل. إذن، على المستوى العربي فإنَّ الإسلام لم يتغلب على القبلية ولا على ثقافة القبيلة وإن كان خفَّفَ من غلوائها وأضفى عليها مدنيةً كانت ثورة بالقياس لما كانت عليه العرب قبل الإسلام.‏

وبعد وفاةِ النَّبِيَّ مُحَمَّدٍ  فإن الإسلام استعاد الحكم القبلي، ولم يخرج عن «الجمعية» في التفكير والعمل، ولم يبتعد كثيرا عن الفِكر الجمعي للقبيلة العربية قبل الإسلام التي لا تُعيرُ الفردَ اهتماماً والتي لاتُساعِدُ أيضا على نُمُوِّ الوعي الذاتِيِّ للفرد.‏

أما الدولة العربية الحديثة القائمة فإنها نِتاجٌ لنهاية عصر الاستعمار الفِعلِيِّ في العالم العربي، ورغم ما حملته تلك الدول من شِعارات التَّطوُّر والتَّمَدُّن إلا أنها تعاملت مع الفرد وحرياته باعتبارها ترفاً يتعارض مع معركة التحرير والبناء وكان شعار حقوق الإنسان-التي كانت تُنادي به أغلب الدول المستعمرة- مُستنكراً أمام شعار حق الشعوب في الاستقلال وتقرير المصير، مما يعني أن حقبة التحرر من الاستعمار هي حقبة «جمعية» بامتياز وأن الفرد والفردية فيها كانا سُبًّة إن لم يكن مدعاةً للشك بالتآمر مع المستعمر.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية