في عملية التنشئة الاجتماعية والثقافية للطفل, ثم تأتي المؤسسات التي لايقل دورها عن الأسرة... وبالتالي تصبح العملية تشاركية وهي بلاشك عملية هامة, وتزداد هذه الأهمية وتتجلى بشكل أكثر وضوحاً في المجال الثقافي، لما لهذا المجال من علاقة مباشرة مع كافة المجالات الأخرى.
وهنا نسأل هل الثقافة مشروع فردي أم جماعي؟
أبو خالد:
(العملية تكاملية ولايمكن إلاّ أن تكون كذلك)
الشاعر خالد أبو خالد قال: تبدأ الثقافة بالموروث من الأسرة ومن المكتسب, وبالتالي الموروث والمكتسب هما اللذان يجعلان من أسرة ما قادرة على تمثل الثقافة بشكلها الأولي, لكن ذلك مشروط بالتأكيد بالمناخ الذي يحيط بالأسرة بالمعنى البيئي...الإنساني والطبيعي.
إذا افترضنا أن ربّ الأسرة عاطل عن العمل, والمرأة مُهملة, وبالتالي يصبح من السهل أن يتسرب الأولاد من مدارسهم, وهنا تبدأ مهمة مؤسسات الدول ونتساءل: هل استطاعت هذه المؤسسات أن تنقل هذه الأسرة من هامش الحركة الاجتماعية إلى بؤرة التنمية؟ وهل تعاونت هذه الأسرة مع المؤسسات لتُنجح هذا الانتقال؟!
إذا أجبنا بنعم نستطيع القول: إن الأسرة هي النواة الثقافية بالمعنى الايجابي, وإذا لم يتحقق ذلك فستكون الأسرة نواة ثقافية بالمعنى السلبي, ولان المسألة كذلك فلايمكن القول إن الأسرة وحدها هي النواة الثقافية لأنها بذلك لايمكن أن تكون نواة معلقة في فراغ.
يجب أن تكون على علاقة عضوية بحركة المجتمع, وبذلك نستطيع أن نبدأ الحديث عن التشاركية..
إذا استطاعت المؤسسات أن توفّر لهذه الأسرة العمل والحياة الصحية والتربية والتعليم لأطفالها حينها تكون الأسرة قد خطّت باتجاه التشاركية مع المجتمع, ومن هنا يمكن تصعيد هذه التشاركية إلى مستويات أعلى فأعلى في مسار التنمية العامة للدولة على مستويات أشمل وأعلى وأعمق.. بدون ذلك سيتعرض المجتمع لنوع من الإنشطار مابين شرائح في الهامش وشرائح في البؤر الاجتماعية التي تتطور بمعزل عن الهامش وعلى حساب التخلف الموجود في الهامش.
إذاً: العملية تكاملية ولايمكن إلا أن تكون كذلك إذا أردنا أن نحصّن مجتمعنا من كافة النواحي بما في ذلك الناحية السياسية, وإلا كيف نفسر هذا الخروج عن القانون عندما يأخذ شكلاً جماعياً من هامش المجتمع لتدمير المجتمع ككل.. هذا هو التفسير الوحيد.
صقور:
(مشروع جماعي يُؤسس له من خلال الدولة والمجتمع)
الأديب بديع صقور قال: الثقافة هي معيار حضاري لتطور وتقدم أيّة أمة في العالم, فحضارة الإنسان تقاس بثقافته ومعرفته, وصراع الإنسان في عصرنا الحالي هو صراع ثقافي, فبرصاصة تستطيع أن تقتل إنساناً أو فرداً واحداً, أما بالكلمة فتستطيع أن تقتل مئات الناس...من هنا أعتقد أنها مشروع جماعي يُؤسس له من خلال الدولة والمجتمع الذي يرتبط بالثقافة الإنسانية ككل, فلكل دولة مؤسساتها الثقافية التي تسعى لبناء وتربية وإعداد أجيال قادرة على مواجهة المستقبل وصناعته, فهذه الثقافة هي كما قلنا مشروع جماعي ترعاه مؤسسات الدولة والمؤسسات الاجتماعية الأخرى إلى جانب النشاط الفردي الذي يقوم به الإنسان بدءاً من نفسه ونهاية بالمجتمع ككل... فالطفل حين ينشأ تنشئة معرفية ثقافية نغرس به حب المطالعة والقراءة..حب التعلم والإطلاع.. نستطيع أن نحصّنه ونعدّه للمستقبل, وهذه الثقافة هي ثقافة واقعية ترتبط بالإنسان وقيمه دون الدخول إلى ما نسميه عالم الغيبيات والخرافات.
إذاً الثقافة مشروع حضاري لإعداد إنسان يستطيع أن يكون فاعلاً بمجتمعه إيماناً منّا بالمبدأ الذي يقول (الحرية هي من صناعة المعرفة والعقل) وأن المعرفة هي التي تجابه التخلف وتؤسس لبناء مجتمع حضاري تسود فيه العلاقة الموضوعية بين أفراده, إلى جانب احترام الآراء والمواقف والثقافة التي يحملها كل فرد منا والتي تصبّ في مصلحة الجميع وفي بناء المجتمع الذي نعيش به.
هذا المشروع الفردي لايمكن أن يكتمل إلا بالجهد الجماعي حيث يحتاج إلى نفقات كثيرة وجهود كبيرة.. تضع المؤسسات الثقافية خططاً تثقيفية تعتمد على الهوية والقيم المجتمعية للإنسان ليحتضنه ويجعله قادراً على الارتباط والسعي لبناء المجتمع وتقوية الدولة التي نعيش في كنفها.
ammaralnameh@hotmial.com