و رغم محاولات أمريكا محو هوية العراق بعد أن سيطرت على نفطه و ثرواته الباطنية، و تركته مضطرباَ يواجه العنف ها هو الإرهاب يعود إلى الواجهة العراقية ثانية، و لكنه هذه المرة هو إرهاب من نوع آخر، و هو مرتبط بالأحداث التي تجري في سورية، حيث تتعرض اليوم هاتان الدولتان لعمليات إرهابية منظمة قل مثيلها في العصر الحديث.
و إن المطالبات العراقية المستمرة للولايات المتحدة الأمريكية و الدول الغربية بمساندة العراق في مواجهته للعنف والإرهاب تلقى هذه الأيام آذاناً صاغية بسبب خطورة الموقف هناك، فقد ناشد العراق أمريكا الإسراع في تسليمه دفعة من طائرات إف16 المقاتلة كان البلدان قد تعاقدا على بيعها لبغداد، لكن، وحسب المصادر العسكرية العراقية فإن هذا النوع من الأسلحة لن يفيد العراق كثيراً في حربه مع الإرهاب و المسلحين الذي باتوا ينتشرون في كل أنحاء العراق كانتشار النار في الهشيم، و هم يرتبطون ارتباطاً وثيقاً عسكرياً لوجستياً مع المسلحين في سورية، و ينسقون فيما بينهما، و على سبيل المثال لا الحصر داعش أو ما يسمى بدولة العراق والشام الإسلامية التي تريد أن تبني إمارة إسلامية ممتدة من العراق و حتى الشام.
مباحثات رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي والتي أجراها في واشنطن نهاية الشهر المنصرم مع كبار المسؤولين الأمريكيين تركزت حول ما تتعرض له سورية والعراق من أحداث مأساوية يرتكبها الإرهابيون التكفيريون، و الذين جل همهم إثارة النعرات الطائفية في هذين البلدين كي يستطيعوا تحقيق أهدافهم في إقامة دولتهم المزعومة، مستغلين التنوع الطائفي في كل من العراق و سورية.
العراق قرر أخيراً العمل على تكثيف الجهود لحشد التأييد الأمريكي لمكافحة الإرهاب الذي بات ينشر في أنحاء المعمورة، وهو ليس مرتبطاً بمنطقة الشرق الأوسط فقط؛ كون الإرهاب أصبح حالة دولية عامة وتحتاج إلى موقف دولي لمكافحته سواء مالياً أم بشرياً أم ثقافياً .
وبعد طول مناشدات عراقية للولايات المتحدة الأمريكية بمساعدته في مواجهة القاعدة ها هو العراق ربما اليوم يحصل على ما يريد، فقد قال مسؤول أمريكي كبير: إن واشنطن تريد مساعدة الحكومة العراقية في مواجهة تهديدات تنظيم القاعدة ببيعها السلاح و مدّها بالمعلومات الاستخباراتية، و جاء هذا التصريح للمسؤول الأمريكي بعد اللقاء الذي تم بين نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، حيث قال: نود مساعدة العراقيين الذين يواجهون إرهاباً منظماً من خلال تطوير قدراتهم العسكرية التي تمكنهم من التصدي بفعالية و دقة لهذه الشبكات الإرهابية المنظمة .
يشهد العراق اليوم أعمال عنف لم يشهدها منذ عام 2008 التي خلفت خمسة آلاف وثلاثمئة وخمسين قتيلاً هذا العام، حيث لم يعد بمقدور العراق التصدي للهجمات المتكررة من قبل الإرهابيين على الرغم من التدابير الأمنية الواسعة و المشددة التي اتخذتها القوات الأمنية العراقية .
و بحسب تصريحات المسؤول الأمريكي الذي فضل عدم الإفصاح عن اسمه إن وجود تنظيم القاعدة في غرب العراق أصبح واقعاً ملموساً و يجب الاعتراف به و له هناك معسكرات تدريب لا تستطيع السلطات العراقية القضاء عليها لوحدها؛ لأن ضخامة هذه المعسكرات تتجاوز قدرات قوات الأمن العراقية، و العديد من المتشددين كانوا يتسللون إلى العراق من سورية بأسلحتهم الثقيلة بعد ملاحقة الجيش السوري لهم، و أمريكا اليوم تعرف تمام المعرفة مدى خطورة شبكة داعش الإرهابية أو ما يسمى بدولة العراق والشام الإسلامية، وهي تراقب تحركاتها،و الولايات المتحدة الأمريكية ستعمل على توسيع التعاون مع العراقيين في مجال المعلومات الاستخباراتية، حيث طلب المسؤولين الأمريكيين من الكونغرس اعداد خطط عسكرية لبيع العراق أنظمة دفاع جوي متطورة تمكنه من التحكم في مجاله الجوي، و لم يكن للعراق بصورته الحالية أن يوجد دون وجود أطراف لا تعنيها مصلحة أهل هذا البلد على المدى البعيد والعراق الذي شهد تجربتين استعماريتين، كانت الأولى على يد البريطانيين، ثم شهد احتلال الأمريكيين بعد ذلك، و إن خسارة أميركا وجرها ذيل الهزيمة رغم نهبها لثروات العراق ولكنها في المقابل أنفقت مليارات الدولارات ثمناً لغزو العراق هذا عدا عن الكلفة البشرية لهذا الغزو، فقد كتب الجنرال ديفيد بيترايوس أحد أشهر العسكريين الأمريكيين في العصر الحديث: إن من يظن أن أمريكا قد ربحت في العراق فهو مخطئ لأن الولايات المتحدة لم تكسب في العراق أصلا وهي أنهكت بسبب الأعمال المالية والبشرية والعسكرية الناتجة عن الحرب في العراق وأفغانستان.