تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الشـــــعر.. هكـــــذا عرَّفــــوه.. هـــوس.. وشــوشــــات.. أعاجيـــب الحسّ البشــري

ثقافة
الأربعاء 21-3-2012
هفاف ميهوب

«الشعر بالنسبة لي, ليس هدفاً و إنما هوسٌ انفعالي يسيطر عليّ.. نعم.. الشعر هوسٌ مثله في ذلك مثل الحب، الحرية، الجنون.. أيضاً, الشعر ليس عقلاً.. إنه يتجاوز العقل.. ينطلق خارج أغلاله وقوانينه و القصيدة التي لاتحرِّضني و تهزّني و ترفع بي إلى ما فوق الحياة اليومية, هي ليست قصيدة»..

هكذا رأى الشاعر الأمريكي «أدغار آلان بو» الشعر.. هذا الشاعر الذي ولِدَ يتيماً.. متشرداً.. فقيراً, ما جعله يهيمُ على أحلامه, و إلى أن وجد في الشعر ملاذاً آمناً لحياة قضى منها أربعين عاماً فقط ليرحل بعدها و لكن ليس قبل أن يلاقي من الشهرة و الاهتمام, ما شغل عالم الشعر و عشاقه..‏‏

لكن, و لطالما لكلٍّ من شعره نصيب, إما أن يُلهبه جنون الموهبة أو يُخمده فيتعثر و يخيب, كان لا بد لأولئك الذين ألهب جنون الشعر قريحتهم, من أن يُعرِّفوه قائلين:‏‏

وشوشاتٌ تهمسُ ألحانها المجهولة‏‏

جان آرثر رامبو - شاعر فرنسي:‏‏

بدأ رامبو مولده كشاعرٍ منذ كان طالباً في المدرسة وشُحنتْ قريحته شغفاً لكتابة الشعر, وهو ما دفعه للهروب عن قيود المجتمع وكذلك والدته التي فرضت عليه حياة صارمة.‏‏

من هنا بدأت رحلة التشرد و السير على الأقدام. يدور في الحقول و يلجأ إلى أكواخ الفلاحين. ينام في زوارب الدواب وفي النهار يستجدي العابرين الطعام أو يشاطر خدم الحقول ما يأكلون. خلال هذه الأوقات كان زاده الشعر, العالم الذي بحث عنه كي تتنفس حواسه فترتعش موسيقاها شعراً. لكن, ورغم اتهامه بالجنون, استمر يعيش متنقلاً وضائعاً مابينَ بلدٍ وآخر, ودون أن يغادر عالم اللفظ و الموسيقى والإحساس. عالم الحياة الثائرة التي كانت مرحلة جديدة في تاريخ الأدب الفرنسي, حيث وضع فلسفته من الشعر.. إنها فلسفة البصير الذي استشفَّ بكل حواسه ما وراء الأشياء, بل الذي اقتحم عالم الشعر العميق و الذي قال عنه عندما كتب مجموعته الشهيرة «إشراقات»:‏‏

«إنه وشوشاتٌ تهمس ألحانها المجهولة و تقودني إلى عالمٍ غنيٍّ بالألوانِ, و الآلام التي توقد انفعالاتي فتجعلني أُهمل كل شيء لأكتب أشعاري»..‏‏

فنُّ استكشافِ الحياة‏‏

رينيه ريلكه - شاعر ألماني:‏‏

من أهم الشعراء الذين عرفهم العصر الحديث. بدأ بنظم الشعر مُذ كان في الخامسة عشرة من عمره, وقام بعدّة أسفارٍ أغنتْ فنّه الشعري وأحالته إلى شخصٍ مرهف الإحساس أمام كل ما يُرى ويُحسُّ من الأشياء..‏‏

كانت الحياة بأكملها بالنسبة إليه, سلسلة من المغامرات في عالم الحسّ, بل نوع من الغناء وبالتالي فإن الشعر, وكما يقول في كتابه «رسالة إلى شاعرٍ ناشئ»:‏‏

«ليس الشعر تعبيراً عن العواطف, بل إن الأبيات تجاربٌ حيَّة, ولكي تقول بيتاً من الشعر, يجب أن تكون قد رأيت كثيراً من المدن ومن الناس والأشياء.. يجب أن تكون قادراً على أن تستعيد الطرقات التي عرفتها في بلادٍ مجهولة, وساعات الرحيل الدانية.. أن تكون قادراً على استعادة ذكريات الطفولة التي لم يتوضح سرها بعد. لا يكفي أن تكون لك ذكريات, بل يجب أن تعرف كيف تنساها عندما تكون كثيرة, وأن يكون لك الجَلد على انتظارها كي تعود وتصبح في دمك ونظرتك وإيماءتك.. عندئذٍ, تتصاعد أول كلمة في أولِ بيتٍ من الشعر»..‏‏

أعاجيبُ الحسّ البشري‏‏

سان جون بيرس - شاعر فرنسي:‏‏

إنه شاعرٌ معاصر, ولقد عُرف عنه غرابة شعره وبعده عن الأساليب المتعارف عليها بين شعراء العصر الحاضر..‏‏

في قصائده النثرية, استطاع أن يعكس المأساة العميقة للوجدان الإنساني بالنسبة إلى العالم الغربي الذي يظهر في أشعاره, صورة للتمزّق العنيف الذي يعيشه الإنسان. أيضاً فريسة الشقاء والهوان.‏‏

رغم ذلك, هو يملك القدرة على الوقوف في وجهِ المأساة ومن خلال التفاؤل والتطلُّع إلى الخلاص, ولقد كان مولعاً بالرحيل والأسفار. ذلك أنه كان يرى بأن الأقدام الساكنة تتعب من الانتظار مثلما يتعب الشعر من الاعتيادي. إذاً.. الشعر برأيه وكما عرَّفه في قصيدة «آنابار»: «الشعر هو أن تصوِّرُ أكثر الأشياءِ غموضاً وتعقيداً وبأبسط الكلمات وأكثرها عذوبة وسلاسة. أن تقول شعراً يعني أنك تنضح من الأعماق الباطنية الدفينة, التي تزدحم بالأسرار الغامضة. من أجل هذا, ينبغي أن يتدفق الشعر من ظلماتِ الحياة لكي يحمل إلى عالم الضياء, أعاجيب الحسِّ البشري..‏‏

في النهاية‏‏

لأنه لا يسعنا تعداد ما قاله شعراء العالم أجمع عن الشعر, نكتفي بهذه الأمثلة لنذكر أيضاً, بأن الشاعرة الفرنسية «مارسلين غالمور» كانت تنشد أشعارها لتهدأ ثورة آلامها, لطالما ليس لها أم ولا ولد, ولم تكن تعرف الحب, وهو ما جعل قصائدها صرخات وشكاوى وصلوات. تماماً كما صرخات وشكاوى وصلوات كُثرٌ ممن عشقوا كل شيء في العالم أو ربما كرهوه رافضين الامتثال لقيوده..‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية