يقول العالم الغربي ومعه إسرائيل بوجه خاص: إن النظام الإيراني مازال ومنذ سنين طويلة يسعى بخطوات جدية لصنع سلاح ذري دون الالتفات إلى قرارات مجلس الأمن والسماح لمفتشيه الوصول إلى مواقعه النووية السرية مع خرقه أيضاً لمعاهدة حظر الانتشار النووي ودون أن يتعرض في المقابل لعقوبات طيلة تلك السنين..
كما وتشير وجهة النظر الغربية إلى تميز النظام الإيراني بالحذق والمهارة والدهاء معاً في كل مرة يحاول فيها التكتم عن أهداف مشروعه النووي بحيل تسويفية وتفاسير غامضة عبر المفاوضات المتناوبة مح المحاورين الغربيين.. ومع تنامي الحروب الشرسة والسرية التي تشنها أجهزة الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية من اغتيالات لعلماء الذرة الإيرانيين ومهندسيها ونشر الفيروسات في الأجهزة المعلوماتية، تزداد صلابة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتشبثها في الوقوف عند »نقطة اللاعودة«.. ثمة وجهة نظر عامة تفيد أن قيام علماء الذرة في إيران بصنع منظومة نووية هجومية يتطلب مدة زمنية لاتقل عن السنتين، يضاف إليها ثلاث سنين أخرى للوصول لصنع سلاح ذري.. في الوقت الراهن لم تعد قضية الحصول على السلاح مرتبطة بالكفاءات أو الأهلية أو بتوفير الإمكانيات اللازمة بقدر ماتشكل رغبة وإرادة سياسية إيرانية عنيدة ومع ذلك يبدو المرشد خامنئي حتى هذه اللحظة متحفظاً حيال اجتياز هذه الخطوة.
وبالعودة إلى وجهة نظر الغرب وإسرائيل، يمكننا القول: إن لحكومة طهران سياسة ثابتة استطاعت تقديم موازنة مهمة للغاية لاتنحصر رغم ذلك بالاستهدافات النووية وبالشعائر الطقسية بصورة أقل والموجهة لمحو إسرائيل من الخارطة.. فهذه الرؤية البلاغية لخامنئي ولأحمدي نجاد تنطوي في الواقع على استراتيجية آية في المنطق والعقلانية، وتهدف إلى نشر وبسط النفوذ الإيراني على المنطقة بكاملها بمزج ذكي بين الليبرالية والسلطوية...
آية ذلك أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لاتكفّ عن تعزيز حضورها على الساحة السورية مع حرصها ولسنين طويلة على تقديم دعم لوجستي ومالي لكل من حزب الله وحركة حماس المقاومتين في المنطقة، كما وتستثمر طهران مبالغ طائلة في أفغانستان، وتساند وتدعم باكستان بمصادر متعددة كما هوحالها أيضاً مع مصرعند نشوب أي خلاف بينها وبين واشنطن.. كذلك يحرص النظام الإيراني على علاقات جيدة مع الجار التركي ولكم ساهم النظام إياه بخلق فجوة انشقاق في المواقف الغربية حيال برنامج بلاده النووي وحتى الدفع بهم للجري واللهاث وراء ظله من خلال تصريحاته وبياناته المستهدفة بامتياز وهي على أي حال في غير موضعها بحسب نظرة الغرب دوماً..
ولكن ومنذ شهور عديدة أخذت الريح تميل لنسج «ربيع عربي» بشباك شائكة أتقن الغرب وعلى رأسه أميركا وبعض حلفائهم من الحكام العرب صنعه بهدف اصطياد حكومات عربية وأهمها على الإطلاق الحكومة السورية وذلك لإضعاف متانة الرباط الذي يجمع بينها وبين إيران وحزب الله وحركة حماس وصولاً لفكّه ثم تحطيم حلقاته! وعلى هذا النحو سوف يتمكن الغرب، بحسب وجهة نظره، من توجيه ضربة قاصمة لطهران..
ثمة واقع يشيرأن تدفق التقارير المذلة للوكالة الدولية للطاقة الذرية بخصوص مسألة توسع الأنشطة النووية الإيرانية لخوض تجربة صنع سلاح ذري سوف يفضي لامحالة إلى زعزعة سياسة الاحتراز الناجحة للحكومة الإيرانية، ومنذ ذلك الحين مافتئ سيل الإعلانات الإسرائيلية يتدفق ليزيد من ضيق ونفاذ صبر الإيرانيين، المتمسكين حتى هذه اللحظة بخيوط لعبتهم الخاصة.. في الجهة المقابلة ثمة -رغم ذلك- اختلاف في وجهات النظر بين واشنطن وتل أبيب بخصوص التوقيت المناسب والإمكانيات المناسبة شن هجوم عسكري على منشآت إيران النووية، هذا الاختلاف في وجهات النظر بين الجانبين ينطوي على سياسة متفردة تقوم فقط على ذرّ الرماد في العيون لحجب الرؤية عن بصر الشعب الإيراني وتلمّس ماينتظره..
داخل هذا الإطار من الأخطاء الاستراتيجية والعزل المستمر لإيران اندرجت عقوبات اقتصادية على حكومة طهران لاسابق لها، تتجلى آثارها الأولية اليوم في فرض تقليص حاد لصادرات النفط الخام، وانهيار الريال الإيراني، واشتعال الدولار، ونضوب واستنزاف الاعتمادات، وتفشي البطالة، وصولاً لإضعاف النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط.
هذه العقوبات تمّ تثبيتها، ولكن مامن شيء البتة يضمن فاعليتها في ثني قوة إيران وإحنائها.. وقد نسي الغرب ومعه إسرائيل أن سلوكياتهما المتطرفة قد غذّيا عداء إيران لحكوماتهم وليتحول هذا العداء والرغبة الدفينة في تدمير إسرائيل إلى إيديولوجية في الحكومة الإيرانية.
المعنيون أمعنوا في التفكير والاسترسال في التأمل وبالتالي توقع هجوم عسكري إسرائيلي قريب ضد المنشآت النووية الإيرانية.
يبقى أن نقول إن مثل هذا الاحتمال القوي بتوجيه ضربة عسكرية لإيران سوف يخلف أحداثاً دراماتيكية في المنطقة وحتى في غرب العالم بدءاً من مشروع دول في الشرق الأوسط تتعرض لبعض عدم الاستقرار للتسلح النووي الحتمي..
والسؤال الذي يتبادر للأذهان هو: هل يمكن أن تكون العقوبات الدولية على طهران زاجرة؟ في الواقع ينبغي التريث قليلاً قبل اللجوء لخيارات أخرى، فالبيئة الشرق أوسطية مشحونة برمتها جراء هذه التهديدات وتوقع تمثيلها على أرض الواقع وتشنج المواقف الغربية والإسرائيلية بسبب عدم تصديقه ويقينته بسلمية برنامج إيران النووي..
بقلم: وان هاليفي