تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


قراءة في التصعيد الإسرائيلي ضد قطاع غزة

شؤون سياسية
الأربعاء 21-3-2012
عبد الحليم سعود

بعد أشهر طويلة من عمليات الابتزاز الإسرائيلية المستمرة والمباشرة للولايات المتحدة الأميركية في ملف إيران النووي والتي كانت غايتها الحصول على موافقة إدارة أوباما ودعمها من أجل شن وتحمل تبعات عدوان عسكري ضد المنشآت النووية الإيرانية،

استفاق العالم مع بداية الشهر الجاري على تصعيد عسكري فاشي من قبل إسرائيل ضد قطاع غزة أسفر عن سقوط عشرات الشهداء وتدمير العديد من المنازل والبنى التحتية، الأمر الذي دعا الكثير من المحللين والمتابعين إلى تصنيف هذا العدوان في خانة التعويض الأميركي على إسرائيل لصعوبة الحصول على إذن أميركي يبيح ويسهل العدوان ضد إيران.‏

بمعنى آخر، لم تجد إدارة أوباما المقبلة على انتخابات رئاسية مصيرية وحساسة نفسها في موقع من يستطيع تحمل تبعات مغامرة إسرائيلية غير محسوبة أو محسومة النتائج ضد إيران، وهي الخارجة قبل فترة قصيرة من جحيم الحرب في العراق، فما كان منها إلا أن أعطت الإذن لإسرائيل لكي تقوم بعملية تنفيس أو«فشة خلق» ضد قطاع غزة تبرد بها نار الرؤوس الحامية في إسرائيل وتضع مرة جديدة الملف النووي الايراني على رفوف الانتظار، فمثل هذه «الفشة» الإسرائيلية ضد قطاع غزة يمكن محاصرتها والتحكم بنتائجها وتداعياتها وهو ما ليس متوفرا أو ممكنا في حال شن عدوان عسكري ضد المنشآت النووية الإيرانية بسبب صعوبة توقع رد الفعل الايراني وتداعياته على المصالح الأميركية في المنطقة.‏

وبطبيعة الحال كان من السهل على أي متابع للتصريحات والتهديدات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين أن يتوقع مثل هذا التصعيد الإسرائيلي ضد قطاع غزة لعدة أسباب لعل من أهمها: رغبة إسرائيل في إحباط أي تفاهم أو مصالحة بين الفصائل الفلسطينية يمكن أن تفضي إلى توحيد الموقف أو تسهم في تشكيل حكومة وحدة وطنية تقود نضال الشعب الفلسطيني في هذا الظرف الصعب وتوقف حال الشرذمة القائمة، كذلك رغبة إسرائيل في اختبار ردود الفعل المصرية والعربية ولاسيما بعد سقوط نظام مبارك الذي سهل وصول قوى جديدة إلى السلطة لها ارتباطات مباشرة ببعض الفصائل الفلسطينية الموجودة في القطاع عدا عن الوضع الشاذ الذي تعيشه الجامعة العربية بعد أن هيمنت على قرارها بعض ما يعرف بقوى الاعتدال العربي أو دول مجلس التعاون الخليجي ، كذلك رغبتها في اختبار ما يسمى بمشروع القبة الحديدية الإسرائيلية التي تم الترويج لها طويلا كمنظومة دفاعية قادرة على مواجهة صواريخ المقاومة الفلسطينية المنطلقة من القطاع، في حين يأتي في خلفية هذا التصعيد رغبة إسرائيلية عارمة في خلط الأوراق إقليميا ودوليا لكي تتهرب من أي عملية تسوية وحتى لا يتم تحميلها مسؤولية انغلاق أفق التسوية السياسية ووقف المفاوضات والتي كان آخرها ما جرى من عملية جس نبض وسبر مواقف قبل أشهر بين السلطة وحكومة الاحتلال في عمان.‏

ويمكن القول إن هذا التصعيد الذي تميز بغارات عنيفة ومتتالية لم نشهد مثيلا لها منذ عدوان عام 2008 لم يأت من دون مقدمات أو تحضيرات إسرائيلية مسبقة، فقد سبقه أشهر طويلة من عمليات التسخين السياسي ضد القطاع تناوب عليه معظم أركان الحكومة الصهيونية وجنرالاتها وعلى رأسهم رئيس أركان جيش الاحتلال الجديد بيني غيتس الذي أعلن أكثر من مرة نية حكومته اختبار الموقف المصري بعد التغير الحاصل في المشهد السياسي المصري، والضغط على فصائل المقاومة الفلسطينية وخاصة حركة الجهاد التي بقيت خارج التسوية الجارية بين سلطة رام الله وحكومة حماس، وظلت على موقفها من مقاومة العدو، وكذلك تجريب منظومة القبة الحديدية الإسرائيلية التي تم تصميمها أصلا لاعتراض صواريخ المقاومة.‏

وقد لا نجانب الحقيقة إذا قلنا بأن إسرائيل حصلت على ما يشبه الموافقة العربية للقيام بمثل هذا العدوان، وإلا كيف نفسر حالة الصمت العربية حيال ما يجري من عدوان همجي ضد المحاصرين في قطاع غزة في الوقت الذي تقيم فيه بعض الدول العربية ـ ولاسيما الخليجية ، الدنيا ولا تقعدها ضد سورية التي تواجه بعض الجماعات الإرهابية على أراضيها، وتدعو لتسليح الإرهابيين علنا، وهو ما يجعل هذه الدول شريكة بسفك الدم السوري والفلسطيني، في حين أن واجبها يقتضي بحثها عن كافة السبل الكفيلة بتقوية صمود الشعب الفلسطيني ودعم مقاومته لكي يتمكن من مجابهة العدوان الإسرائيلي المتمادي وردعه، لا البحث في كيفية إضعاف دولة عربية أخرى إرضاء للسياسة الأميركية الاستعمارية في المنطقة.‏

وإذا ما أخذنا في الاعتبار ما أوردته بعض المصادر عن قيام مسؤولين خليجيين بزيارة واشنطن في الأشهر الماضية والتوسل لإدارة أوباما للقيام بضربة عسكرية ضد إيران، إلى جانب ما ينتهجه هؤلاء المسؤولون من سياسات معادية لسورية والتي تستدعي التدخل العسكري ضدها على غرار ما جرى في ليبيا فليس من الصعب أن نستنتج أنهم متورطون في المؤامرة ضد محور المقاومة الممتد من إيران إلى سورية فلبنان فغزة، ولذلك فإن أي تصعيد ضد أي ضلع من أضلاع هذا المربع لا ينفصل عن التصعيد ضد بقية الأضلاع ومنها الضلع الفلسطيني الذي يعد بمثابة مكسر عصا بالنسبة لإسرائيل.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية