لأنه ستكون لها عواقب كارثية على المنطقة بأسرها , حيث ستُعيدها عقودا ً إلى الوراء , وبالتالي فإن هذه التحذيرات من الحرب على إيران أخذت تنسحب على سورية أيضا ً , بمعنى أن الحرب على سورية يجب أن تتوقف , وأن يكون الحل فيها عبر القنوات السياسية والدبلوماسية , وليس عبر الدعوات إلى التدخل الخارجي العسكري ودعم المعارضة بالسلاح والمال .
هذا وبعد أن فشل دُعاة الحرب على سورية والتدخل العسكري الخارجي فيها على النحو الذي حصل في ليبيا , أخذوا يعملون على «تعريب» الحرب على سورية ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو التالي : لماذا يستمر هؤلاء الدعاة للحرب في دعوتهم هذه ؟
لا شك أن هناك عوامل تدفعهم إلى ذلك منها :
1-أن الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين لا يزالون مُتفقين معهم على ضرورة إسقاط سورية .
2-أن هؤلاء الحلفاء ما زالوا متفقين معهم أيضا على ضرورة الاعتراف بما يسمى المعارضة السورية وخاصة مجلس اسطنبول , كما أنهم مُجمعون على ضرورة تمويل وتسليح هذه المعارضة وتقديم كل صنوف الدعم لها على الأرض كما يجري حاليا .
3-التجييش الإعلامي المُضلَّل الذي تقوده فضائيات إقليمية ودولية وعربية مشبوهة وخاصة قناتي الجزيرة والعربية , ورصد الأموال الهائلة لتمويل الحملة الإعلامية الشرسة ضد سورية من قبل السعودية وقطر
4-أن الرئيس الأميركي (( أوباما )) ما زال يمارس ما أصبح يُعرف بـ مبدأ“ القيادة من الخلف « طالما أن هناك متطوعين من دول الغرب مثل بريطانيا وفرنسا , ومن دول عربية مثل السعودية وقطر وليبيا الجديدة وتونس مُستعدون لأن يكونوا في المقدمة , وواجهة لأي حرب أميركية في المنطقة
كذلك في السياق نفسه , توجد إسرائيل المستعدة دائما لأن تكون كرأس حربة في المنطقة ضد أي دولة مُعارضة للمصالح الأميركية والغربية , ولا سيما بعد ان تمكن رئيس وزرائها « نتنياهو» في زيارته الأخيرة لواشنطن ولقائه بالرئيس الأميركي /أوباما/ من أن ينتزع منه اعترافا ً بما أسماه / حق إسرائيل في الدفاع عن النفس / !
إذا ً , هذه العوامل الأربعة تشجع دُعاة الحرب العرب على المضيّ في التحريض على سورية والحشد ضدها من أجل شنّ الحرب عليها أو احتوائها , باعتبار أن مثل هذه الحرب عليها , أو اخضاعها , يشكلان المفتاح الإقليميّ الأهم لضرب إيران أو احتوائها أيضاً .
من جهة أخرى , لا يشك أحدٌ في أن الحرب ضد إيران قد بدأت فعلا منذ سنوات , فالحرب التي شُنت على لبنان صيف عام /2006/ هي في الحقيقة ضد إيران , إلا أن النتائج كما هو معروف , لم تأت لصالح دُعاتها ومُنفذيها , إذ إن المقاومة اللبنانية استطاعت أن تحقق انتصارا فعليا على اسرائيل , رغم كل ما حشدته من أسلحة في الأرض والبحر والجو , وفي سورية تكاد الحرب المنفذة ضدها أن تحسم لغير صالح دعاتها أيضا , ذلك أن زعماء عرب خليجيين صرّحوا بما معناه أن نجاح الحرب على سورية سيُضعف إيران إلى حد بعيد .
ومما يجدر ذكره أن هناك مجموعة من العوامل تُرجح استبعاد أي حرب أميركية على إيران على المدى المنظور بالرغم من القوة الأميركية الضخمة التي تحاصر إيران , حيث هناك أكثر من /44/ قاعدة عسكرية في هذه الدول العربية وتركيا وأفغانستان تُدار شؤونها من مقر القيادة المركزية الأميركية (( سنتكوم)) بقاعدة / العيديد / في قطر , منها تسع قواعد في البحرين, واثنتان في الإمارات العربية , وواحدة في الكويت , وواحدة في جزيرة مصيرة قبالة سواحل عمان ,
إضافة إلى قيادة الأسطول الخامس , وثلاث حاملات طائرات أميركية مع مجموعاتها الحربية في مياه الخليج العربي , عدا عن أسطول متعدد الجنسيات تحت قيادة أميركية لتعزيز ما يسمى بالأمن البحري والاستقرار الاقليمي كما دعا وزير الدفاع البريطاني .
ولا شك بأن دول الخليج على وشك الوقوع في الفخّ الأميركي , من خلال تورطها في حرب بالنيابة ضد سورية , عبر دعمها للمجموعات الإرهابية المسلحة بالمال والسلاح , وعبر تجييش إعلامها العميل والمشبوه ضد سورية , انطلاقا من مقولة إن إضعاف سورية هو إضعاف لإيران من جهة , ومن جهة أخرى , فإن هذه الحرب ضد سورية ما هي إلا لمُشاغلة إيران إلى حين توفر ظروف مواتية أكثر لشنّ الحرب عليها سواء من قبل أميركا أو إسرائيل أو من قبلهما معا , وبمعنى آخر , هذه الحرب العربية – العربية في سورية هي مقدمة لحرب عربية خليجية – ايرانية باختيار دول الخليج أو سوف تُجر إليها رغما ً عنها ولتكون دول الخليج هذه النهاية أكثر الخاسرين فيها , بينما تكون اسرائيل المُستفيد الأول من اندلاعها , بحيث تصبح مسألة إعادة رسم خريطة منطقة الشرق الأوسط من جديد أسهل بكثير على واضعيها ومُنفذيها .
لقد عملت الولايات المتحدة على احتلال العراق بشكلٍ مباشر ٍ تحت حجج ٍ واهية , وكانت تنوي أن تكون سورية هي محطتها الثانية بعد العراق , ثم طرابلس الغرب وبعدها الجزائر , ثم طهران , إلا أن هذا المخطط وصل إلى طريقٍ مسدود بفضل المقاومة العربية في العراق والصمود السوري في وجهه , هذا إلى جانب تغير قواعد اللعبة الأميركية في المنطقة , ومما يدلُّ على ذلك , اختيار الولايات المتحدة لرجل أميركا « كوفي عنان» وتكليفه بالبحث عن سبل ٍ للحل ّ السياسي والحوار للأزمة السورية , كما أشار إلى ذلك رئيس تحرير صحيفة القدس العربي في أحد تعليقاته مؤخرا ً .
وهكذا نخلص إلى القول بأنّ المؤامرة على سورية بدت ملامح فشلها تتضح أوّلاً بأوّل , بعد أن فشل أطراف التآمر في استهدافها , فسورية هي جزء من حركة التحرر الوطني العربية , وهي دولة مقاومة للمشروع الأميركي الصهيوني في المنطقة , ولم تكن يوما ً من الأيام تابعة لأحد مثل غيرها من الدول العربية ولا سيما منها ممالك ومشيخات الخليج العربيّ.