والمشهد يجسد محاولة (غوار) قيادة زملائه في السجن في سرد جدول الضرب الخاص بالرقم ثلاثة أمام الأستاذ ومدير السجن والمفتش الاجتماعي، لكن الطرفة هنا أن الجواب في كل الجدول هو الرقم ثلاثة ابتداء من الرقم واحد وحتى الرقم تسعة .
هذه اللقطة الطريفة بثّت فضائية الجزيرة في أحد تقاريرها الإخبارية مؤخراً ما يشابهها، بل ما يتماثل معها، والفارق هنا هو أنه تم استبدال شخصية الفنان نهاد قلعي (الأستاذ) بمراسلة تتكلم الإنكليزية، كما تم استبدال شخصية الفنان دريد لحام وزملائه في السجن بمجموعة من المجرمين الذين ينقط الإجرام من وجوههم، وأما المكان فبدلاً من أن يكون السجن فهو بقعة من الأرض العربية الممتدة من الخليج إلى المحيط، تسللت إليها هذه المراسلة بحجة إنجاز تقرير إعلامي فإذا بها تنجز دعاية مجانية لمجموعة إرهابية تتباهى بإجرامها .
المشهد ابتدأ بجلسة حميمة بين المراسلة التي كانت تجلس على كرسي صغير ومجموعة المجرمين الجالسين قبالتها على الأرض، ليبدأ السؤال الأول الموَّحَد الموجّه من قِبلها للجميع وباللغة الإنكليزية : «هل بينكم من هو من خارج بلدكم؟» فيكون الجواب موّحداً : «لا» ليتلوه السؤال الثاني : «من منكم يعارض سياسة تنظيم القاعدة؟» ليكون الجواب جماعياً وبرفع الأيدي، ليخلص التقرير -الذي من الواضح أنه لا يبحث عن الحقيقة بل عن وسيلة لتأكيد حقيقة تركض المحطة خلفها كما يمكن لظمآن أن يركض وراء سراب- إلى أن البلد المعنيّ لا مقاتلين أجانب فيه ولاأثر فيه لتنظيم القاعدة كما تحاول حكومة هذا البلد أن تؤكد.. والمثير للسخرية في التقرير هو ظهور لقطات لمجموعة المجرمين وهم يلفّون رؤوسهم بعلم القاعدة ذي اللون الأسود المعروف مباشرة بعد تصريحهم الجماعي بعدم موافقتهم على سياسة تنظيم القاعدة ما يؤكد أنهم ليسوا فقط من المتعاطفين مع هذا التنظيم بل من أفراده .
الشيء الذي أثار الانتباه في التقرير أكثر من أي شيء آخر هو تباهي أحد أفراد المجموعة بقيامه مع (زملائه) بزرع الألغام في كافة شوارع وأبنية المدينة التي يقاتلون فيها دون أن يستفز ذلك المراسلة لتسألهم عمّا يضمن لهم ألا تنفجر هذه الألغام بالمدنيين، فالأهم بالنسبة للمراسلة كما هو واضح من التقرير تصوير هذه المجموعات على أنهم ملائكة هبطوا على الأرض بمهمة إنسانية، هدفها الأخذ بيد البشر في رحلة أخيرة أبدية دون عناء يُذكَر .
عندما حاول غوّار الطوشة في المشهد سابق الذكر أن يقنعنا أن حاصل ضرب 3 بـ 3 هو 3 نجح على الأقل في أن يرسم الضحكة على الشفاه رغم أنه لم ينجح في إقناعنا بصدقية الجواب على السؤال، لكن يبدو أن الجزيرة فشلت وتفشل في إقناع المشاهد في الحالتين معاً، فلا هي قادرة على رسم الابتسامة على الوجوه ولاهي قادرة على إقناع أكثر الناس سذاجة بما تقدمه من طروحات تفتقد لأبسط مبادئ الإعلام.. حتى المسفّ والمبتذل منه .