هل أنصف الغرب موسيقانا العربية ؟
فنون الأربعاء 31-7-2013 علي الأحمد إنه سؤال كان ولايزال موضع بحث وقراءة مستفيضة تسعى الى الإجابة المنصفة كما تسعى الى إضاءة بعض الجوانب والحقائق المغيبة في موضوع التأثير العربي الموسيقي في أوروبا
ومدى تقبل الآخر الغربي لهذه الحقائق والأدلة التي تثبت مكانة ورفعة العلم الموسيقي العربي في تلك الحقبة، التي شهدت أيضا ولأول مرة نقل البحوث والعلوم الاغريقية وفلسفتها المهمة التي وجدت طريقها الى الغرب عبر الترجمات الوافية التي قام بها المفكرون والفلاسفة العرب المسلمون .
والإجابة على هذا السؤال بمدى إنصاف الغرب لموسيقانا العربية نقول بنعم أولا ،حيث تباينت الآراء واختلطت الأهواء والنزعات مابين معسكري القبول والرفض لهذا التأثير الذي كان له بصمات واضحة ومضيئة في الحياة الموسيقية الأوروبية إبان عصر النهضة ، وهو تأثير واضح وجلي في كثير من تفاصيل هذه الحياة وموثق بالأدلة والبراهين التي لا تقبل الشك ،وهي أدلة جاءت من قبل هذا الآخر الغربي عبر فلاسفة وعلماء ومستشرقين كبار تبنوا واعتنقوا لغة العلم والمعرفة في بحوثهم وقراءتهم المعمقة لمكونات ودور الموسيقي العربي علما وفنا ، بحثا وممارسة، كما نجد معالمه في المعهد العلمي الموسيقي الذي أقامه المبدع «زرياب «، في بلاد الأندلس والذي استند الى منهجية عالية ومتقدمة في البحث والتعليم عبر «ميتودات «متقدمة في العزف على الآلات الموسيقية العربية التي انتقلت مع طلابه الأوروبيين ومنهم من كان أبناء ملوك وأمراء إلى البلاطات والمسارح الأوربية ،هذا الأثر المهم للموسيقا العربية أنكره البعض وحاول تقزيمه وإخفاء معالمه أمثال المستشرق «جول رووانيت » والباحثة كاثرين شليزنكر والعديد من أصحاب النزعة الاستعمارية المعهودة ،لكن بالمقابل كان هناك علامات مضيئة في البحث والعلم الموسيقي أمثال المستشرق الكبير «ديرلنجيه » والباحث أو.رايت ،والعلامة الألماني كورت زاكس ،والمستشرق الكبير هنري جورج فارمر وغيرهم ممن آمن بالحقيقة العلمية بكل تجرد وأخلاقية عالية ،حتى إننا نرى ضوء هذه الروح العلمية يتبدى في كثير من كتابات الفلاسفة والعلماء وأصحاب الموسوعات والمعاجم ودوائر المعارف الأوروبية ،ومجمل القول: إنه عندما يقول العلم والحقائق المعرفية كلمتها فلا يمكن لأحد أيا كان ولأسباب عقائدية أو ايديولوجية أو سياسية وغيرها ، نكران هذا الدور الثقافي الكبير الذي يتناساه أيضا بعض الموسيقيين العرب ويحاولون تسفيهه وتهميشه بسبب عقدة الآخر المسكونة في جيناتهم ،ومع ذلك لابد من القول أخيرا أننا لم نقصد ونتقصد من قراءة هذا الأثر التغني بأمجاد الماضي الذي ذهب ولن يعود بقدر ما أردنا التأكيد على أن الموسيقا العربية الأصيلة لها نظامها الخاص والمتفرد، والذي تم تخصيبه كما نعلم من عدة مصادر موسيقية اغريقية وفارسية تم استيعابها في نسيج هذا النظام بعيد ارتحالات وحوارات لم تنقطع في كل العصور لينتقل هذا الميراث الروحي والجمالي الى أوروبا وغيرها من بلدان في مسعى أراده الموسيقي العربي إعلاء للبعد الإنساني الذي آمن به ودافع عن مساره ومناخاته الذوقية والجمالية في كل الأزمنة الإبداعية الخالدة.
|