ولا أظن أن مهنة تتطلب قدراً كبيراً من العمل وقدراً كبيراً من التفاني مقارنة بفوائدها الآنية، قدر مهنة الكتابة. وربما قليلون هم من يسألون أنفسهم بعد الانتهاء من قراءة كتاب ما عن عدد الساعات المؤلمة والصعبة التي مرت على المؤلف في أثناء تأليفه أو ما هو المبلغ الذي حصل عليه لقاء عمله.. وكم من الوقت قضى بعيون ساهرة وذهن متيقظ، يسكب عصارة فكرة وذوب قريحته، ليجعل من تلك الأوراق الصفراء الباهتة نوراً يضيئ ويهدي، وآفاقاً تتفتح وتتسع.
وما أكثر الذين اقترنت حياتهم بحياة السراج الذي كانوا يكتبون في ضوئه، عشيت عيونهم، وخبا نظرهم، كما كان يخبو نور السراج، وانتهت حياتهم، وخرجت نفوسهم وهي جاهدة تلهث وراء الأذكار، وكم ذابت شموع كما ذاب أصحابها؟!
وإنها لفرصة طيبة أن نطلع على نتاجات العديد منهم، ضمن صفحات هي ومضات تشع وترسل خيوطها عبر عالمنا، وتدفعنا للإبحار أكثر في عالم هو من العمق والقوة ما يجعلنا نقع في أسره، لا نريد الإفلات منه.. فهلا عدنا إلى سنة أجدادنا، ليكون الكتاب رفيقنا من جديد؟!!