وعلى الرغم من توفر مختلف أنواع المونة البلدية في الأسواق إلا أن هناك عدداً كبيراً من الأسر مازالت تواظب على تحضير مونتها بنفسها لاعتبارات كثيرة، فتحضيرها المنزلي يضمن جودتها ونظافتها من الهرمونات المساعدة بهدف تضخيم المحاصيل وزيادة وزنها هذه ناحية، اما الثانية فلرخصها قياسا بأسعارها في السوق إضافة لما تمثله من استمرارية للتقاليد الشعبية الموروثة ولكونها صمام الأمان لحماية أسرنا من جشع تجار ومستغلي الأزمات حيث تحقق أمناً غذائياً والأهم في ظل الوضع الاقتصادي الصعب حيث احتكار المواد الغذائية وارتفاع أسعارها كونها تمثل مشروعاً اقتصادياً مضمون النتائج والأرباح، فما هي حقيقة المونة؟ وكيف يمكن أن تتحول لمشروع رابح؟ وما دور المجتمع الأهلي في الحفاظ على هذا الموروث المنتج؟.
كل ما يشتهيه الإنسان
تقول السيدة نجمة صاحبة 80 عاما:ً لم نكن نعرف في الماضي السوبر ماركت أو الاطعمة المعلبة والمبردة والمستوردة من كل بقاع الأرض والتي لانعرف كيف صنعت او ماذا تحتوي، كما ان وسائل النقل لم تكن متوفرة كحال اليوم ما يعني ان الوصول الى المدينة مستحيل في فصل الشتاء وعمل شاق في الصيف يتطلب الكثير من الوقت والجهد، لذلك كان علينا تأمين كل ما يلزم العائلة في أيام شتائها الطويل من خلال المونة التي نعتمد في تحضيرها على خيرات أرضنا وبخبرة توارثناها عن آبائنا، فكنا نعد المربيات بأنواعها المشمش والعنب والتين والتفاح والسفرجل والكباد إضافة الى مربى الباذنجان والمكدوس ، ومن القمح نعد الفريكة والبرغل بأنواعه الخشن للطبخ والناعم للكبة والكشك وهو البرغل بعد مزجه باللبن ثم تنشيفه وإعادة طحنه، اما الزيتون الشجرة المباركة الموجودة في كل بيت تقريباً فكنا نستخرج الزيت بأنواعه ونعد الزيتون الأخضر والمجرّح والاسود والعطون وما الى ذلك، ومن مواد المونة أيضا المشتقات الحيوانية كاللبن المحفوظ بالزيت والجبن والشنكليش، كما نعد دبس الرمان ودبس البندورة وغيرها من المنتجات المتنوعة وجميعها من منتجات الارض وحسب ذروة الموسم لكل نوع من أنواع المونة.
وأضافت قائلة: أيامنا لم تعرف البرادات والفريزات بموديلاتها وأنواعها وأحجامها كحال اليوم، بل لم يكن لدينا كهرباء أصلاً لنحفظ الغذاء، ولكنا تعلمنا من أهلنا كيف تحفظ المواد بعيدة عن التلف حتى يطل موسمها الجديد فنحفظ اللحوم عن طريق حمسها مع الدهنة بما يسمى القاورما والكوسا والباذنجان بعد نقره من أجل المحشي «والفول والملوخية عن طريق تجفيفها بالشمس وهي الطريقة المتبعة بحفظ المشمش «نقوع» والتين والرمان والعنب المحفوظ كزبيب وغيرها، أما البندورة فكان يتم حفظها عن طريق عصرها وغليها قليلاً على النار ومن ثم وضعها في زجاجات ضاغطة، فيما يحفظ اللبن بتحويله إلى كرات صغيرة تنشف قليلاً لتغمر بالزيت بعد وضعها في عبوات حافظة، ولم ننسَ الخضار ضمن مونتنا من خلال كبس المخللات كالخيار والفاصولياء واللفت والفليفلة والملفوف والجزر.
ولكن هل يعني أن المونة خاصة بأبناء القرى وأصحاب المواسم يعدّها من لم يشهد وجودها في الأسواق فاقتصرت على الآباء والأجداد؟ تقول السيدة هند الأحمر 40 عاماً أعيش مع عائلتي في دمشق ولا أبالغ إذ أقول: إنني لم أعانِ حتى اليوم من غلاء الأسعار كغيري لأنني ببساطة أعتمد على المونة التي أعدها بنفسي خلال الصيف في الضيعة فأحرص أن تشمل كل ما تحتاج إليه العائلة بحيث لاأحتاج من السوق إلا المتطلبات اليومية التي لايمكن حفظها كالخضار الطازجة والتي يمكنني الاستغناء عنها إن دعت الضرورة فاستخدم المجففة او المحفوظة يدوياً.
خبرة وجودة
وفيما يخص فقدان القيمة الغذائية لهذه المواد أو تعرضها للتلف تقول السيدة هند: ما أفعله ليس جديداً فما زلت أواظب على هذه الحالة منذ صغري ولم يسبق أن تعرض أيّ من منتجاتي للعطب كما لم يشتك من مذاقها أحد لأنني باختصار أعرف ماهية المواد الخام التي أحضرها وأعرف كيف أصنعها. وبالمقابل أجهل كلياً ماهيّة وكيفية صناعة المواد المعروضة في الأسواق، وثانياً بوجود المونة في منزلي أشعر بأمان غذائي كبير ومستعدة من خلال موجوداتي المنزلية لاستقبال أي طارئ أو مفاجئة، أما ثالثا وبحسبة بسيطة معظم مستلزمات المونة من ارضنا ومع ذلك لو حسبنا ثمن المواد الخام لجميع المنتجات ومقارنتها بسعر الأسواق لوجدنا الفارق كبير جداً يصل في بعض المنتجات لأضعاف مضاعفة، ما يعني حسب تعبير الأحمر أننا بالعودة إلى الطبيعة ولزمن وعادات أجدادنا وأرضنا المعطاء نحصن عائلاتنا ونساعد بلدنا التي اتكلنا عليها لدرجة أصبحنا عبئاً عليها بدل أن نكون جميعنا منتجين ولو بدرجة الاكتفاء الذاتي.
بدوره السيد علي أبو محمد من طرطوس يرى أن مجتمعنا غنيّ اقتصادياً تتعدد وتختلف فيه طرق تحقيق الاكتفاء الذاتي للعائلة وأعداد المونة الخاصة بها، ففي العديد من مناطقنا يكون الاعتماد على الزيتون أو الحمضيات دون أي مورد آخر، ما جعل اعتماد هذه المناطق على الموسم فقط.. فالمزارع يحضّر كل حاجياته من ملبس ومأكل ومشرب ومعدات بالدين حتى يحين وقت جني المحصول وما أن يتقاضى مستحقاته حتى يبادر إلى تسديد ثمن مشترياته، وحسب تعبير أبو محمد كانت الحياة بسيطة وبإمكان أي مزارع أن يؤمن كل متطلبات حياته ومونته من أرضه وماشيته التي حرص كل بيت على وجودها لأنها مصدر الحليب وجميع مشتقاته إضافة إلى الدواجن، أما المحاصيل التي لا يمكن إنتاجها أو تأمينها ذاتياً يتم تأمينها إما بطريقة المقايضة مع مزارعين آخرين ليصار الى تموينها وحفظها بالطرق المتعارف عليها، وهذا لا يخص الطعام فحسب بل درجت العادة أن يتم تموين الأعشاب للمشروبات كالزوفا والجعدة والنعنع والشيح والبلان والمريمية واكليل الجبل والمليسة والزعتر والبابونج وغيرها من النباتات المستخدمة من قبل معظم الأسر.
متة محلية
وبالعودة إلى التراث واستنباط حلول بديلة وللتخلص من الجشع والاحتكار والغلاء الفاحش قال السيد أبو محمد حسن: لا نقبل أن يتحكم بنا مشروب «المتة» الذي استغله البعض ورفع سعره إلى درجة جنونية.
وعن الخلطة العشبية القريبة من مادة المتة أوجزها قائلاً: اعتمدنا أغصان وأوراق مادة الهندباء وفرمها بأداة حادة وإضافة مادة عشبية كورق أو زهر الزعرور أو الليمون وبالخلط بين النوعين نتج مشروب أشبه بمادة المتة ويتفوق عليها في النكهة والطعم والفائدة والاهم هو التوفير والحد من الانفاق على مادة مستوردة كالمتة التي لانعلم شيئا عن مكوناتها وطرق تحضيرها..
قوة اقتصادية
مازال مصطلح «بيت المونة» يعبق بالمحبة والألفة ففيه تجتمع الأسر الممتدة «العائلة واقاربها» وفيه تتجمع الخيرات بكافة الأصناف، مشكّلاً قوة اقتصادية ليس للعائلة فحسب بل للجيران والحارة من خلال شعورهم بوجود مواد غذائية تنقذهم وقت الشدائد وهذا لا يختلف عليه اثنان ولكن أن تكون المونة مشروعاً اقتصادياً رابحاً فهو أمر يدعو للدهشة؟
يقول يوسف الطالب بجامعة دمشق: قرأت في كتاب «ماذا يعلّم الأثرياء أطفالهم، إنه من الخطأ انتظار الوظيفة في حين يجب علينا خلقها من العدم، أي لماذا لا نبادر لتوظيف الغير لصالحنا، وأعجبتني الفكرة وبدأت البحث عن المشروع المناسب، وما بين انخراط شبابنا وأهلنا في الوظيفة وروتين الدوام وإقامتهم بالمدن قرب وظائفهم بعيداً عن الريف والأرض الطيبة وخيراتها، وابتعادهم عن تحضير المونة بذرائع ومسميات عدة كضيق الوقت أو الإقامة بشقق ومنازل ضيقة لا تسمح بأعمال المونة وتحمل نتائجها ومخلفاتها، ولابتعاد أهل الريف انفسهم بحجة أننا في زمن تجد فيه كل ما تطلب وقت ما تريد وأنه بالامكان حفظ ما ترغب بالفريزة وما بين استغلال واحتكار تجار الازمات لمعظم السلع والارتفاع المسعور لأسعارها، وجدت بالمونة مشروعا رابحا لأسباب درستها جيدا.. فمواد المونة ومنتجاتها لا تحتاج الى اعلانات او دعايات مكلفة، وموادها الاولية متوفرة في البلدة ذاتها وبالإمكان شرائها بالسعر الحقيقي ولا ضرورة لأجور التنقلات التي شهدت بدورها جنونا بالأسعار، كما ان صناعة المونة لا تخضع لروتين او موافقات او دوام رسمي، ومن الممكن انجازها بسهرة من سهرات الصيف، اما الأهم فهو سرعة توزيع الانتاج لما تتمتع به المونة اليدوية من نظافة وجودة تتوافق والمواصفات المتعامل بها في البلدة والقرى المجاورة، والدليل ان هذا الموسم هو التجربة الثانية لي، لذلك ما ان وصلت الضيعة في عطلتي الصيفية حتى وجدت الطلبات والتواصي على جميع الاصناف وبكميات أكثر مما كنت اتصور بانتظاري، اضافة الى التواصي التي حملتها من دمشق بعد ان جرب الناس انتاجي العام الفائت، وعليه بدأت بمربيات المشمش لتصل مبيعاتي 500 كيلو لجميع الانواع «مرت وشقف وحبة كاملة» ولمختلف اصناف المشمش وبأسعار ارخص من الاسواق بكثير، وما ان وصل رأس المال ليدي حتى وضعت مساعدين وبدأت بتسويق القمح ثم غربلته فسلقه وبعدها جرشه حسب الطلبات وحاجة الاهالي «خشن وناعم» مع الإبقاء على الكمية اللازمة لإعداد الكشك فنفذت مجمل الكمية دون أي عناء أو اجور تنقلات او دعاية، لتبدأ فيما بعد مرحلة إعداد خلّ التفاح والمتوقع أن تصل كمية انتاج الخل الى ما يزيد عن 1000 لتر أنجز معظمها دون أي عائق أو تكاليف تذكر.
مشروع رابح
مادياً حسبها يوسف فقال: جميع المواد الأولية من منتجات أرضنا التي نجد صعوبة في نقلها وتسويقها ومع ذلك لو حسبناها نجد: القمح بسعره «الحر» 46 ليرة للكيلو وبحساب نسبة النقص عليه بعد غربلته يصبح الكيلو 48 ليرة يضاف اليها 4ليرات أجور طحنه وتحويله الى برغل ولو حسبنا نسبة النقص التي لحقت بالقمح بعد طحنه وتحويله الى البرغل لأصبح إجمالي تكلفة الكيلو بطريقة المونة اليدوية بحدود 55 ليرة، وسعر المبيع ضمن القرية ب90 ليرة، فيما السعر بالأسواق تجاوز 115 ليرة، وفي حال الكشك يضاف الى تكلفة كيلو البرغل ثمن اللبن المطلوب واجور الطحن مرة اخرى فتكون تكلفة كيلو الكشك البلدي بحدود 250 ليرة ومبيعه 550 ليرة فيما سعره بالأسواق تجاوز 750 ليرة، وكذلك حساب الخل الذي تشترط صناعته المعايير الجيدة والجو المناسب والمدة الزمنية الكافية أما المادة الاولية «التفاح» فيكفي ان تكون الثمرة نظيفة وخالية من النخر والأمراض بغض النظر عن حجمها او لونها ما يعني أن أعلى سعر للتفاح المراد تحويله إلى خل لم يتجاوز 20 ليرة فيما كان ثمن مبيع لتر الخل 125 ليرة، أما المربى ومع حساب السعر الحقلي للمشمش «اي قبل زيادة اجور النقل عليه تراوح حول 60 ليرة «حسب نوعه» يضاف إليه سعر السكر «الحر» بمعدل «كيلو بكيلو» تكون تكلفة كيلو مربى المشمش بحدود130 ليرة واذا ما اضيف اليها ثمن الغاز لغلي المزيج وثمن العبوات تصبح تكلفة الكيلو 190 ليرة، لكن مجمل الكمية بيعت بسعر 250 ليرة للكيلو فيما تجاوز سعره في الاسواق 320 ليرة «حسب نوعه».
وبالنتيجة وبعد حساب ثمن المواد الأولية وتكاليف الإنتاج وحسمها من سعر المبيعات تحقق ارباحا بلغت 170 ألف ليرة خلال شهر دفع منها لمساعديه 50 الفا ليبقى صافي الارباح 120 ألفاً سيوظفها حسب تعبيره في انتاج دبس البندورة والمخللات والمكدوس الذي يعتبره مشروعه الجديد لهذا الموسم.
مداخيل إضافية
بدوره يصف الدكتور أسامة وجد مشروع المونة أنه ذو جدوى اقتصادية، أما أن توسعت لتطال التصنيع والبيع فمعناه انها تحولت لمشاريع اقتصادية حقيقية تحتاج الى دراسة دقيقة لاستخلاص عوامل نجاحها وبحث مسببات فشلها، إضافة الى احتساب العمليات المتبعة لتحضيرها وتأمين المهارات الواجب توفرها ثم الاستطلاع عن الأسعار المتعارف عليها لتحديد سعرها، أما ما يميزها عن غيرها فعلاً هو قلة تكاليفها وتمتعها بالقدرة على اجتياز المعوقات والحواجز لناحية تأمين رأس المال أو الحصول على المواد الأولية الضرورية للصناعة التي لا تحتاج بدورها الى المعدات كونها تعتمد كلياً على القدرة البشرية وأفراد العائلة، إضافة لتميز منتجاتها بسرعة الوصول الى السكان الذين يفضلونهاعن اي منتج آخر تحت مقولة «بلدي» أي اصلي، ما يعني أنها الجهة الأقرب الى نبض المجتمع الأهلي، فالمونة ان عادت للانتشار بين عائلاتنا واصبحت جزءا من نهجها فستؤمن دون شك، سيطرة تامة لأسرنا على مساراتها الحياتية والانتاجية والاستهلاكية على حد سواء وسيطرة أخرى على احتياجات أمنها الغذائي ما يؤدي الى ترتيب سلطة للمستهلك أو الفرد على اموره المعيشية، فحماية المستهلك تكون من نفسه ومن غيره، ولو بحثنا جيدا لوجدنا ان دولا تهتم عبر منهاج وجامعات تختص بالاقتصاد المنزلي والاستهلاك الاسري وبأن جمعيات واتحادات رسمية تتخذ من المونة وبيت المونة عنواناً لموقعها الرسمي وهذا جانب، أما الآخر والذي لا يقل أهميةً فهو الجانب الاجتماعي، إذ إن المونة بما تتطلبه من اعمال تحتاج للتعاون والمساعدة تشكل فرصة لاجتماع غالبية نساء وفتيات وشباب العائلة ما يخلق جواً من الألفة والترابط الأسري والاجتماعي كما تخلق في الوقت نفسه ميداناً للمنافسة على إنتاج المونة الافضل من حيث اللون والطعم والحفظ والسرعة وغيرها.
لم يعرف أجدادنا البطالة
الاختصاصي بعلم الأحياء سمير عجمي يقول كل ما يحتاجه جسم الانسان موجود في بلادنا الغنية بالخيرات المتنوعة فمن لايعرف الخبيزة والدردار والفدرية والهندبة والقرص عني والبقلة والمرير وغيرها من الاعشاب التي تنمو بشكل طبيعي في معظم أريافنا وتعد وجبة غذائية تغنينا عن كثير مما تلاعب التجار به، ولو قارنا مواسمها مع مواسم الخيرات الأخرى لوجدنا أن الأرض بطبيعتها تمدنا بالغذاء دون انقطاع، أي العودة الى الطبيعة والى زمن الآباء والاجداد يحصننا ضد أي حصار أو احتكار وكفيل بأن يعيد لتجار الأزمات والمستغلين رشدهم، لأنه من البديهي ان يصبح في حال العودة العرض اكثر من الطلب وحينها يضطر هؤلاء لطرح بضائعهم وتنزيل اسعارهم، ثم من يستطع ان ينسى منظر رغيف الخبز وهو يخرج من التنور او الصاج الذي كان يعتبر عماد منازلنا الريفية أيام زمان وكان أهلنا يعدون من القمح مونتهم من الطحين لتأمين الخبز، اما اليوم وبعد أن هجرنا الارض والزراعة واستخفينا بالمونة واستسهلنا الحصول على السلعة، أوقعنا أنفسنا في مصيدة الاحتكار ومفتعليه وحصرنا أنفسنا في زاوية، إما الوظيفة وإما البطالة التي لم يكن يعرفها آباؤنا وأجدادنا رغم بؤس الحال، بفضل الاعتماد على الذات في كسب الرزق ومبادراتهم لخلق أعمالهم بأنفسهم، سواء كان بالزراعة أم بصناعاتهم اليدوية وأعمالهم التجارية ومشاريعهم التي كان منطلقها الأرض ومواسمها، فهل نتعلم من معاناة اليوم معنى الاكتفاء الذاتي والاعتماد على الذات ومعنى الانتاج والاستهلاك الرشيد وقيمة الادخار تحسباً لأي طارئ مجهول فنعود الى الطبيعة التي سخرها العلم لخدمتنا، واذا كانت بداية الانتاج صعبة والمنافسة شرسة وسط فوضى سوق العمل، لنبدأ بالمونة، فننتج، على الأقل، ما سنوفره لو اشتريناها من السوق، ثم نحولها الى مشاريع صغيرة في القرى والمجتمعات الاهلية التي يتوجب عليها أن تلعب دوراً مهماً في تحقيق الأهداف المتعلقة بالتخفيف من الفقر والبطالة عبر الإسهام في تنفيذ مشاريع تطال بفائدتها المنطقة بكاملها، ما من شأنه خلق فرص عمل وتحسين أوضاع المناطق الفقيرة وتأمين مستلزماتها ما يحد إلى درجة كبيرة من مظاهر الفساد والاستغلال والاحتكار والاعتماد على الغير في أدق تفاصيل حياتنا « بأكلها وشربها ولباسها» بعد أن أصبحنا مستهلكين بامتياز وسوق تصريف لأي صناعة في العالم، فيما نحن أصحاب الأرض الخيرة ويجب أن ينطبق علينا مقولة أمة تأكل مما تزرع.. وتلبس مما تنسج.
***
للدخان نصيب
وحسب تعبير السيد علي « المدخن» من أهم انواع التموين والمونة يأتي الدخان وهو من المزروعات التي تتطلب مجهوداً كبيراً أثناء زراعته أو رعايته ومراقبته حتى وقت القطاف لتبدأ بعده رحلة تعب أخرى تستمر حتى لحظة تسليمه للريجة بعد أن يكون المزارع قد انتقى مونةً تكفيه عاماً كاملاً، وهنا يولد السؤال: إن كان المزارع قد اعتاد انتقاء مونته ويسلم كامل المحصول.. فكيف سيكون الحال بعد أن امتدت أيادي المستغلين والمتاجرين الى هذه المادة الممنوعة اصلا من التداول والبيع، ووضعها في دهاليز الاحتكار وجنون الاسعار، بعد تحول الكثيرين نحو الدخان العربي في حالة تواتر غير منتظم بقصد التوفير وسط ارتفاع صاروخي لأسعاره ما ادخل الدخان العربي بورصة العرض والطلب ليقفز سعره من قرابة 600 ليرة في بداية الأمر ليتجاوز2500 ليرة في ايامنا هذه مع قابلية مستمرة للزيادة ان بقي الطلب عليه وهي اسعار مغرية و مضاعفة عن الاسعار التي تمنح للمزارعين، ما يهدد بان يتحول موسم الدخان كله الى مونة مبطنة تباع فيما بعد بالأسواق.