تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الناس للناس .. مروءة ابن البلد

مجتمع
الأربعاء 31-7-2013
منال السمّاك

بات للأرصفة ألسن تروي حكايات من ألم و تنسج قصصاً من تحدٍ و تشبث بالحياة مهما اشتدت المحن .. و في كل زاوية تسكن رواية لأسرة هجرت و ما أكثرهم ..

ضاقت بهم بيوت و احتضنتهم أرصفة دمشقية على اختلاف الأماكن و المحافظات التي وفدوا منها .. و كأنهم ركاب في محطة انتظار ضاقوا ذرعاً بانتظار قطار يحمل الآمال ليعود بهم إلى بيوتهم التي اشتاقوا لها ..‏

منذ فترة ليست بالقصيرة و أنا أراها .. اقتربت منها و الفضول يدفعني خطوة و التردد يعود بي إلى الوراء خطوات .. ما قصة تلك المرأة التي باتت تلفت نظري كلما مررت من ذاك الطريق ، مرة تجلس القرفصاء و تعد القهوة و الشاي على الرصيف و مرة أخرى تنهمك بغسل الفناجين و الأطباق و الطناجر كأي امرأة مسؤولة عن بيت و أسرة في مملكتها ، تحت ظل شجرة كبيرة تقف سيارة شحن صغيرة لا أدري ما نوعها و لكنها قد غطيت بشادر قماشي و اعتلتها فرشات اسفنجية و وسائد ، و في كبين القيادة كانت هناك فوضى تلائم صغر المكان تختلط به الطناجر مع الأغطية وبعض الأشياء التي تلازم أي مطبخ أو منزل من علب و ألبسة و أحذية ، كانت بين الفينة و الأخرى تفتح باب السيارة و تضع شيئاً داخلها أو تخرج آخراً ..‏

سلمت عليها فردت السلام و هي هاشة باشة و الابتسامة تكاد لا تفارق وجهها ، و تذرعت بسؤالها : هل تبيعين شيئاً ؟ فردت : لا .. و لكنني أسكن هنا ، في هذه السيارة التي ترينها ، و كشفت عن صندوق السيارة التي تغطي أرضيته الفرش والأغطية و كأنها غرفة نوم ، ، و بلجة المزج و التحدي لظروفها ، أشارت إلى ركن من الرصيف و كأنه بيتها العزيز الذي تعرف زائريها عليه ركناً ركناً ، قائلة : و هنا غرفة السفرة أما غرفة الجلوس فهي هناك !!‏

سألتها عن اسمها فردت .. أنا أم أحمد .. أم سمير .. أم عادل .. أم أي اسم من الأسماء .. سمني ما شئت .. أنا أم و زوجة لرجل مصاب بذاك المرض الخبيث ، و فوق الفقر و المرض حمدنا الله و تقبلنا مشيئته ، أما التشرد و النوم على قارعة الطريق فهذا ما لم يكن بالحسبان و لو بالكوابيس ، هجرنا بيتنا كغيرنا ممن يسكنون المناطق الساخنة بعد معاناة طويلة مع الخوف و الرعب من الاشتباكات و القذائف ، و من منطقة ( التقدم ) حزمنا أمتعتنا و بعض الأشياء الضرورية ، و حللنا ضيوفاً على هذا الرصيف بعد أن ضاقت بنا بيوت الأقارب و الأهل ، و على ما يبدو أنه في هذه الأيام الإنسان ثقيل و لا أحد يحتمل الآخر ، ثمانية أشهر و نحن نقيم هنا منذ أن نزحنا بفعل إرهاب العصابات المسلحة ، و هناك الكثير من الأسر باتت الأرصفة و الحدائق بيوتاً لهم ، و منهم أبنائي الشباب مع عائلاتهم يسكنون الحدائق لأنه لا قدرة لنا لدفع آجار منزل ، و كيف لنا ذلك و نحن نعيش من وراء البيع على البسطات ؟ فابني يعمل على عربة في باب الجابية .‏

الناس لبعضها و الله لم ينسنا ، تابعت الحديث تلك المرأة بالقول : أحيانا نصادف أناساً كرماء أفضل من الأهل الذين لم يتحملونا في أزمتنا ، فنحن في زمن الأقارب لا يعرفون بعضهم و كل واحد منهم يقول : ربي أسألك نفسي ، و مع ذلك الدنيا لاتخلو من أولاد الحلال الذين يجبرون خاطرنا و يحاولون مساعدتنا قدر استطاعتهم ، فالإقامة في صندوق سيارة ليس بالأمر السهل خاصة مع برد الشتاء و الآن ارتفاع درجات الحرارة ، أتينا إلى هذا الرصيف و الرب كان معنا ، فالجيران بالطابق الأرضي مشكورين فتحوا لنا الباب لنستعمل حديقة بيتهم و سمحوا لنا بالاستحمام عندهم و الجلوس بحديقتهم ، و فاعلو الخير في هذا الشارع لا يبخلون علينا مما أعطاهم الله من خيرات ، البعض يأتينا بالطعام و آخرون يساعدوننا بالمال جزاهم الله خيراً ..‏

يقولون : « إن خليت خربت » و هذا حال مجتمعنا متكافل اجتماعياً متلاحم إنسانياً ، أهل البلد يؤازرون بعضهم بعضاً فيما تيسر خاصة في ظل هذه الظروف الصعبة .. لم تنس تلك المرأة أن تدعوني لتناول فنجان قهوة بعد الإفطار ، بقولها : نحن فقراء و لكننا نعرف كيف نقوم بالواجب و لو كنا على الرصيف ..‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية