وتتعمد اخفاءها في حركاتها و تصرفاتها عند فقدان عزيز أو قريب ،و أثناء تواجد أبي في البيت ،و عندما سألتها مستفسرةً قالت:أخاف على أبيك كبر المصاب لأنه لا يستطيع البكاء ...
عندها حزنت و اعتقدت أن أبي يعاني مرضا يصعب الشفاء منه فكيف لا يستطيع البكاء؟ولما كبرت ازداد استغرابي من جواب جارتنا التي قالت لي الرجال لا يبكون،لأن البكاء من دلائل الضعف ،نقيض الرجولة.و في حياتي الأسرية تأكدت من ذلك الموروث الاجتماعي التقليدي ،و تلك الثقافة الخاطئة في الفهم و التعليم فقد غلت دموع زوجي حين فقد أعز أصدقائه ،شهداء على مذبح الوطن و انتقلت إلى تلك الثقافة سهواً في تربيتي لولدي الذي لم يتجاوز السابعة من عمره حتى أصبح في نظري :الرجل الذي يجب أن لا يبكي .
بحسبة بسيطة،و بثقافة متواضعة و اعتماداً على أبحاث و نظريات علم النفس تساءلت لما كان في الضحك،كما في البكاء ،ترفيه للنفس و ترويح للروح و راحة للجسد ،فلماذا لا يبكي ألماً و حزناً؟ولماذا يضحكون بثقة و قوة؟و لماذا يبكون فقط من شدة الفرح؟و من قونن البكاء؟
تساؤلات عديدة و ضعت دموع الرجال الذين و دعوا من فقدوهم في تفجير القزاز أجوبة لها،وأسقطت بغزارتها و صدقها و قسوتها وحرها كل المفاهيم و المعتقدات و الموروثات الخاطئة.
بكاء يجسد معاني الرجولة من صدق و عفوية و انتصار و قوة و رقة الحس،دموع تعتصرها القلوب تعطي الصحة و الراحة ،تغسل كل الهموم و تحقق التوازن النفسي للإنسان،الرجل و المرأة ،و لكن عندما يبكي الرجال فهذا يعني أن الخطب جلل وأن الحساب عسير وأن الحسم نهائي و عسكري و أن النصر قريب فإذا كانت البسمة هي الأمل،فالدمعة هي مفتاح باب الأمل.