باطن الحال لربما يشي بنوع من عدم الثقة بالنفس.. و أحياناً يرتبط الأمر بأسباب يمكن وصفها بربحية تجارية بحتة.. كما فعل الناشر الوحيد الذي قبل بنشر كتاب (هاري بوتر- الجزء الأول ) للمؤلفة (ج. ك. رولينغ ).. إذ لم يستخدم الاسم الذي أرادته (جوان )لأنه خشي من أن القرّاء سينفرون من قراءة كتاب ألّفته امرأة.. فاكتفى باستخدام الأحرف الأولى (ج. ك. رولينغ ).. و لم يلجأ إلى تغيير كامل الاسم الذي ستلجأ إلى تغييره لاحقاً المؤلّفة ذاتها في توقيعها آخر كتاب أصدرته.. مغيّرةً بذلك القاعدة الأشمل في استخدام الكتّاب للأسماء المستعارة.
لتجريب طعمٍ آخر لبريق النجاح.. أو لأجل اختبار الموهبة و تحدي الذات.. كان أن أدارت ظهرها لما حققت من مجد و شهرة.. فرغبت ببداية جديدة لا اعتماد فيها على ماتراكم من ماض باهر يعتلي سلسلة من الصعود نحو القمة..
لم تؤكّد أي شيء من هذا القبيل بذكرها أسباب لجوئها لتغيير اسمها في عملها الأخير.. و يكاد ينحصر الأمر بنوع من الثقة الزائدة بالنجاح المحقق ما دفع كاتبة مثل (ج. ك. رولينغ ) للقول: (من الرائع أن تنشر كتاباً دون ضجيج، فضلاً عن المتعة الخالصة في أن تتلقى ردود الفعل على العمل باسم مختلف ).
مؤخراً.. اعترفت صاحبة سلسلة هاري بوتر، أنها ألّفت رواية هي (ذي كوكو كولينغ )، صدرت في نيسان الماضي و بيع منها (1500 ) نسخة.. تحت اسم مستعار هو روبرت غالبرايث.. تتحدث الرواية عن عسكري سابق يصبح محققاً خاصاً يحقق بحادثة انتحار فتاة ممرضة.. و من المنتظر أن تصدر رواية جديدة عن المحقق ذاته للمؤلّف روبرت غالبرايث في العام المقبل.
مهما ذكرت من أسباب ظاهرية لمراوغتها بحيلة التخفي باسم ليس اسمها.. تبقى هناك أسباب غير معلنة.. و ربما هي غير واضحة بالنسبة للكاتبة نفسها.. فهل خجلت من الاعتراف بحقيقة رغبتها باختبار مهاراتها كروائية.. فسلخت هالة النجاح و الشهرة التي أحاطتها بها سلسلة (هاري بوتر )لتعود تبدأ من جديد باسم لا يعرفه أحد.. ؟
هل حققت غايتها و أرضت غرور موهبتها عندما أصاب عملها الجديد (ذي كوكو كولينغ ) نجاحاً جعل (الصنداي تايمز ) تتساءل عن كيفية تمكّن مؤلّف ناشئ يكتب لأول مرة.. من أن ينتج عملاً مميزاً.. ؟
الحالة مع مواطنة (رولينغ )، الكاتبة الصاعدة حديثاً (إي. أل. جيمس )تبدو مخالفة تماماً للحاصل معها .. لكن تجري ضمن السياق المعتاد لخدعة الاسم المستعار.. فبينما بدأت الأخيرة مسيرتها باسم مستعار.. ثم رأت أنه لا مانع من إعلان الأصلي و الذي هو إيريكا ميتشل.. كان أن عكست الأولى الحالة فبدأت باسمها الأصلي.. و لو شابَهُ بعض التغيير.. لتنتقل بعدها إلى المستعار.. لكن في كلا الحالين: لماذا يعلنون عن أسمائهم الحقيقية.. و لماذا اعترفت رولينغ باستخدامها لاسم مستعار في عملها الجديد.. هل كانت سيتغير موقفها فيما لو لم يُكتب لعملها النجاح.. ؟
لاينحصر التشابه بين الاثنتين بتخفّيهما خلف قناع الاسم.. إذ يبدو أن بذرة الانطلاقة كان لها جذر يتشابه أيضاً.. تبنى على أساس من خيال محض.
فمن الواضح أن (ج. ك. رولينغ ) في خطّها حكاية الساحر هاري بوتر مزجت عناصر عدة و خضعت لمؤثرات كثيرة من أهمها الأساطير العالمية مستلهمةً التراث الأسطوري الأوروبي و الروسي و الهندي..
و مرة أخرى تنعكس نقطة تلاقٍ بين الاثنتين.. فحيث المكان الذي انتهت حكاية رولينغ فيه و هو السينما.. كان أن بدأت جيمس حكايتها منه.. نتيجة تأثرها بسلسلة (توايلايت ) التي تحكي قصة حب بين «إدوارد» مصاص الدماء و «بيلا » الفتاة الطبيعية الجميلة.. هكذا شكّلت هذه السلسلة السينمائية دافعاً للكاتبة الناشئة (إي. أل. جيمس ) فكتبت ما يُعرف بـ (الفان فيكشن- fan ficion ) الذي يعني مقاطع أدبية تحاكي شخصيات عمل أدبي أو فني معروف.
مع الكاتبة حديثة العهد بمهنة القلم.. تحوّل إدوارد إلى الغني (كريستان غراي )و تحوّلت بيلا إلى الطالبة الجامعية(انستازيا ستيل ) وأشبعت الحكاية بخيالات إيروتيكية.. نشرتها على الانترنت و لم تلقَ الاهتمام لحين قامت دار نشر أسترالية مغمورة في أيار عام 2011م، بإقناع صاحبة هذه المقاطع بأن تجمعها وتعدّلها وتنشرها في كتاب الكتروني.. تحوّل مع دار (راندوم هاوس ) إلى ظاهرة في عالم النشر.. تحت عنوان (خمسون ظلاً للرمادي ).. و ليصبح الكتاب الأكثر مبيعاً في تاريخ بريطانيا.. متصدرةً قائمة النيويورك تايمز طوال أربعة و عشرين أسبوعاً على التوالي.
بعموم الحالة.. لم تتمكّن الاثنتان من طرق باب الشهرة فحسب.. إنما رسّختا اسميهما(حقيقياً أم مستعاراً ) عبر الانتماء إلى دنيا (القلم ).. فكان ارتداء الاسم المستعار حالة انصهار حقيقي و فعلي.. حالة تماهٍ.. مع إبداع أفكار أكثر من مدهشة.