حكي الكثير على تيار رسمي أميركي ينحو صوب عقد صفقة مع حركات الإخوان المسلمين في العالم العربي لإدارة المرحلة المقبلة بالتعاون مع الجيش.
وقد تكون مصلحة أميركا كبيرة في التفاهم أو عقد صفقة مع الإخوان المسلمين، فهي من جهة تضمن بذلك علاقة فعلية مع شعوب المنطقة ، خصوصاً أن قسماً كبيراً من هذه الشعوب تدور في فلك الإسلاميين المعتدلين،وتعزز من جهة ثانية التيار المناهض للتدخل الإيراني في عدد من الدول ، وتضعف ماتصفه بالخطر الشيعي. وجرت بالفعل لقاءات مع ممثليهم وسبقت آنذاك مقولة تفيد بأن العالم العربي غارق بين ديكتاتوريات فاسدة وفاقدة للشعبية وبين تيارات أصولية خطيرة وأن الحالة الشعبية الوحيدة والمعتدلة والقابلة للضبط والتفاهم هي حالة «الإخوان».
وإذا كانت وثائق «ويكيليكس» قد كشفت عن اتصالات بين بعض قادة الإخوان المسلمين والأمريكيين (خصوصاً إخوان تونس)، فإن المسؤول السابق في الاستخبارات الأميركية في الشرق الأوسط روبرت بيير الذي عمل في لبنان لفترة غير قصيرة ، يؤكد في كتاب له عن« سقوط السي أي ايه» أن الإخوان المسلمين في سورية كانوا قد عرضوا صفقة على واشنطن خلال عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد تقضي بأن تبلغ واشنطن « الإخوان» عن موعد اقلاع طائرة الأسد كي يقصفوها بصاروخ خبؤوه قرب المطار مقابل فتح صفحة تعاون واسعة بين الجانبين في حال سقوطه.
وإذا توقفنا أمام التوقيت نجد أن هذه الجماعات ، التي تتخذ من الدين غطاء لها، في كل مرة تحركت فيها كانت هناك مواجهة أو معركة بين سورية والولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة حول الموقف من القضايا الوطنية والقومية الذي تتبناه القيادة في سورية ، والذي يجعلها في تصادم دائم ومستمر مع المشروع الأميركي في المنطقة العربية.
ففي المرة الأولى التي أقدمت فيها ، مايسمى الجماعات الإسلامية المتطرفة ، على تنفيذ أعمال العنف والاغتيال داخل سورية ، ومحاولة تنظيم تمرد مسلح كانت قبل وبعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد المشؤومة التي أخرجت مصر من الصراع مع العدو الصهيوني ورفضها بشدة الرئيس حافظ الأسد ومعه القيادة السورية ، مادفع أنور السادات إلى التبشير بأن الدماء ستسيل في سورية ولبنان ، وهو ماحصل بالفعل.
أما في المرة الثانية ، فقد كانت في عام 2005 إثر صدور القرار 1559 واغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري، حيث رفضت سورية الضغوط الأميركية لنزع سلاح المقاومة وتغيير سلوكها السياسي المتمثل بتمسكها في دعم المقاومة المقامة ضد الاحتلال ورفض التفريط بثوابتها الوطنية والقومية ، وكان التحالف واضحاً ومكشوفاً بين هذه الجماعات المتطرفة ممثلة بما سميّ فتح الإسلام وبعض التيارات السلفية وفريق 14 آذار في لبنان وتنفيذ التفجيرات في سورية .
الإخوان المسلمون مابرحوايبرهنون على لاشرعيتهم بسورية وبشعب سورية فإذا نسينا جرائمهم في الثمانينات وتفجيراتهم التي ذهب ضحيتها الآلاف من السوريين . فلن ننسى اليوم تخاذلهم وتعطشهم للسلطة واستعدادهم لفعل كل ماهو ممكن وغير ممكن ولو بالفتنة والقتل ولو بتسليم أمر سورية وفلسطين لإسرائيل ولو على حساب حياة وأرواح الشعب السوري ولو أن الأطلسي سوف يقوم بقتل الآلاف من السوريين بتدخله في الشأن السوري التي شاركوا هم في صياغتها وتشكيلها في شكلها الراهن.
وإذا قبلنا تجاوزاً بسطحيتهم السياسية (والأدق عمالتهم) فكيف يقبلون اعطاء الأطلسي الفرصة لضرب الشعب السوري بصواريخه التي لن تميز سورياً عن سوري آخر ، بل سوف يستغلون الفرصة ليعودوا بالشعب السوري عقوداً إلى الوراء لكي لايفكر السوري أبداً لابفلسطين ولابالجولان ولاحتى بلواء اسكندرون؟
يقول أسعد أبوخليل عنهم « إن حركة الإخوان المسلمين في سورية تغازل الكيان الصهيوني على شاشته ، وهي اليوم لاهم فلسطينياً لها، ولاهم جولانياً لها» أي إنهم باعوا كل مقدسات الشعب السوري الذي تحمل من أجلها الكثير من الشهداء وقسوة الحصارات المتتالية التي ماإن ارتفع منها حصار عنهم أو جزء منها حتى افتعلت المؤامرات لفرض حصارات جديدة عليهم كما فعلت أميركا وأوروبا مؤخراً على وهم منهم أن تجويع السوري سيؤدي به بأن يتخلى عن دولته المقاومة. وعليه فماذا بقي للإخوان المسلمين من مشروع يقدمونه للشعب السوري الآن بعد أن تخلوا عن مقدسات الشعب السوري؟ هل هو ادخال نظام« المطوعين» الوهابية إلى سورية وخطر الفن والإبداع وتنصيب نظام سياسي على غرار الخليج « التقنية الورعة» التي لشدة تقواها لاتقوى أمام الله
أن تقول لأميركا وإسرائيل سوى «حاضر ياسيدي» وإذا كان الأمر كذلك فبئس «الديمقراطية» التي تسترون بها! إنها أهون من أن تستر عوراتهم التي ماأخفوا منها طرفاً حتى انكشفت منها أطراف!!.
أما على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي فمن الملاحظ أن هذه الجماعات ليس لديها أي برنامج تدعو فيه لتحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية، وهي القضايا التي تهم الناس إلى جانب القضايا الوطنية الآنفة الذكر، بل إن هذه الجماعات لم تعرف إلا من خلال تحركاتها المشبوهة وشعاراتها التي تحرض على إثارة الفتنة الطائفية والمذهبية وهي شعارات تعرض الوحدة الوطنية للخطر، وكذلك الأمن والاستقرار في البلاد، وتلتقي مع أهداف المشروع الأميركي الصهيوني الشرق أوسطي الذي يسعى إلى تفتيت الدول العربية إلى كيانات طائفية ومذهبية وعرقية تتقاتل فيما بينها لتمكين الكيان الصهيوني من تصفية القضية الفلسطينية وفرض السيطرة الاستعمارية الأميركية على كل الوطن العربي.
من هنا فإنه من حقنا أن نسأل عن هوية هذه الجماعات المشبوهة ومبرر وجودها والغاية منه، وعن أي جهاد تدعو إليه وضد من؟!..