ذلك أن الإرهاب لم يعد كما هو واقعه في سورية حالة عابرة أو مجرد ابتزاز لهذه المرحلة تحت ضغط الرعاية الخارجية بالفكر والمال والإعلام والسلاح، وفي مقدمة هذه الخصائص أن الإرهاب تحول إلى طبع وطبيعة في سلوك المجموعات المسلحة.
أي أن القتل والتدمير صارا هدفاً بحد ذاته ولاعلاقة لهما برؤية سياسية أو بمشروع لتطوير الوطن وإعادة إنتاج نظامه السياسي، صار للإرهاب من خلال الإرهاب طبع وطبيعة يستمدان أصولهما من الانحراف البنيوي لدى الجماعات ومن التدفق الهائج بالمال والسلاح للعمل الإرهابي ذاته وبهذا المعنى فقد وقع الغرب الاستعماري والصهيونية والرجعية العربية في دائرة واحدة موحدة فكل هذه القوى إرهابية وكل هذه القوى تحولت بالإرهاب من وظيفته السياسية والإجرامية إلى حيث صار الإرهاب هدفاً بحد ذاته. وهنا نستطيع أن نؤشر على نقطتين هامتين الأولى منهما أن السياسة عند هذه القوى صارت إرهاباً وبالتالي فإن الإرهاب نفسه صار سياسة، صار في أصول السياسة عبر مداخلها ومخارجها ولم يعد التمييز ممكناً أو ضرورياً بين أولوية الإرهاب على السياسة أو السياسة على الإرهاب.
نحن الآن في لحظة نعيش فيها هذه المتلازمة بين الإرهاب وسياسة القوى الحاضنة له، كنا سابقاً نتوهم بأن القوى الإرهابية هي مجرد أذرعة بأنياب وأظافر مهمتها تنفيذ المشروع الخارجي، الآن نكتشف بل نعيش بصورة واضحة فاضحة هذه العلاقة التي قلبت المتلازمة فإذا المشروع الغربي الصهيوني الرجعي هو ذاته في خدمة الإرهاب وهذا مايعطي المدى لقوى الإرهاب كي تطمئن على وجودها وانتشارها، ولم يعد صحيحاً التعاطي مع تلك الفكرة التي تسربت إلينا عبر تقديرات نظرية وصفصطائية كانت تؤكد على أن قوى المشروع الخارجي ولاسيما في الغرب تريد أن تتخلص من القوى الإرهابية المنتشرة كالوباء بطريقة دفعها تحت الرعاية إلى ممارسة هذا الدور في سورية، وفي اعتبار آخر نرى بوضوح أن القوى الإرهابية المدانة شكلاً هي ذاتها التي تحظى بكل هذا الدعم وبكل هذا التدفق من الأسلحة الفتاكة القاتلة في لحظة الإدانة ذاتها، لم يعد في الأمر سرٌ أو لغز بحيث نسفح الزمن ونستثمر الادعاءات النظرية في الوصول إلى الحقيقة أعني وحدة المسار والمصير والثقافة والتدبير مابين قوى الغرب وقوى الإرهاب، الآن نعود إلى رشدنا السياسي ببساطة متبلورة لنكتشف أن الغرب والصهيونية هما الإرهاب بذاته وأن قوى الإرهاب هي امتداد للغرب والصهيونية في وطننا الجريح، ولهذه النقطة اعتباراتها ومسوغاتها بالتأكيد والمدخل إلى ذلك أن نستدرك بوعينا قصة الاستعمار وهو جوهر الإرهاب وتنظيمه وصياغته المادية والمعنوية في حياة الأمم كلها، كيف لايكون الاستعمار إرهاباً وماهي قيمته أصلاً إذا ابتعد عن الإرهاب بأشكاله وصوره الراهنة، لذلك كان من قبيل تحصيل الحاصل أن ندرك الآن بأن الإرهاب في داخل وطننا هو امتداد استعماري ونفوذ استعماري بوسيلة الدم والبارود.
وهنا تدخل على الخط مباشرة قصة التساؤل المثير التي سيطرت على الكثيرين عبر الأسئلة المحيرة عن غياب القيم الإنسانية من حدّها الأعلى بمستوى الإيمان بالله ورسله وكتبه إلى الحد الأدنى المتمثل بقيم الحلال والحرام والخوف من قطع الرؤوس وتدمير الأبنية على ساكنيها ، هذا النسق ليس موجوداً على الإطلاق عند قوى الإرهاب بكل تفاصيلها وتنوعها والإرهاب في مادته الأدائية والعددية هو من المسلمين ومن العرب ومن السوريين أيضاً ، إذاً أين انتفت كل هذه القيم هل هناك في الخلق العربي أو في القيم الإسلامية أو في الخصائص الوطنية السورية شيء ما كان يشير إلى هذه الحالة من التوغل في دم البشر؟ نحن السوريين نعرف أنفسنا ونعرف حقائق وجودنا ندرك قدسية الإنسان ونقدس طاقة العقل والوجدان لسنا هواة قتل وتدمير ولايوجد لدينا نزعة تشير إلى أن قتل البشر هو مصلحة لنا كنّا على الدوام نقول فلتسقط كل السياسات بكل برامجها إذا كان الثمن هو ذبح الإنسان من الوريد إلى الوريد أو التفاعل اليومي مع العدو الصهيوني أو الإسهام المسموم في تدمير مؤسسات الوطن الإنتاجية ونهب ثرواته وتجويع مواطنيه، إن هذا المستوى من ربط الاستعمار والإرهاب بالخاصية الدفينة فيهما والتي تقوم على فكرة القتل والاستمتاع الحسي والنفسي بالقتل صار هو الذي يكشف المستور ويقدم لنا الصورة الحقيقية عن الاستعمار والإرهاب عبر الأغراب والأعراب. إن المشاهد مثبوتة أمامنا في كل مكان من وطننا ونحن معنيون أن ندخل إلى التحليل والتفسير في عمقه وليس بالاعتماد على توصيفه وإدانته فحسب ، هاهو التفجير في ساحة السيوف في جرمانا والناس صيام والفطور على الباب مباشرة والأولاد يلعبون في زوايا الساحة وينتظرون لحظة الأوبة إلى حضن الأم والأب والناس عموماً منجذبون نحو عمل الخير عبر إيواء المهجرين وإطعام الفقراء والمساكين والتنافس بين المسلمين والمسيحيين السوريين في السمو والكرم حتى لكأننا في سورية صرنا النموذج الأعلى والأقدس لقصة أمة مازالت هي المثل الأعلى والأقدس في تاريخ البشرية كلها، وهاهو المشهد الثاني في الإرهاب في خان العسل حيث يحتجز الأطفال والشيوخ يذبح بعضهم بطريقة قطع الرؤوس ويطمر البعض الآخر في الخنادق المظلمة تحت التراب وهم أحياء وهناك على المشارف السياسية والمكانية يتحدث الإعلام عن لجنة من الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في خان العسل ، الإرهاب بفرعيه الغربي الحاضن والقوى ذات الوظيفة يقتل ويدمر ويضع الحقائق ولجان الحقائق في مهب الريح والمسألة بكاملها تقع هناك من واشنطن وفي باريس وفي تركيا وفي الخليج ، كل ذلك يؤول بنا لكي نطلق النقطة الثانية في قصة الإرهاب وهي اختيار القوى الإرهابية كلها لسورية العربية لكي ينجزوا فيها مشروعهم بكامله ولتكون دماء البشر هنا مجرد مساحات للموت ومجرد بيئات يطلق فيها الإرهاب دينه الجديد الموحد القائم على القتل بلا تردد والتصفية للآخر إلاّ إذا كان الآخر هو مادة مساعدة أو محرضة أو مساهمة في الإرهاب نفسه ويعلم العالم كله أن اختيار سورية هو اختيار لقلب البشرية بنبضها الحي ولتجربتها التاريخية المشرقة ، إنهم يتصورون أنهم بتدمير الذات السورية يدمرون العالم من أساسه....