لحظات قليلة وبدأ يسمع أصوات قرقعة مرتفعة مع انضمام أشخاص جدد يحملون إسطوانات غاز فارغة، فعلم بذكائه «الفطري» أن سيارة غاز مرسلة من المحافظة ستقتحم الحارة لتحل أزمتها الغازية المستعصية مثل كل عام مع بدء الشتاء.
دقائق قليلة، ثم أصبح الطابور طابورين متلاصقين، أحدهما للجنس الخشن وآخر للجنس الناعم، لتضعه المصادفة «الطابورية» المحضة بجانب سيدة خمسينية، راحت تتفحصه بإعجاب بعد أن لفتتها أناقته وتسريحة شعره غير العادية ورائحة «برفانه» المميزة، وقادها «حدسها» الأنثوي إلى أنه يصلح عريساً لإحدى بناتها الخمس اللواتي فاتهنّ قطار الزواج بسبب شح العرسان، ولاسيما أنه حضر لاستلام مخصصاته الشهرية من الغاز، وهذا يعني أن لديه بيتاً يأويه ودخلاً شهرياً يتعيش منه و»بوتوغاز»..إلخ، فباشرته بالحديث وكادت تصل إلى رقم جواله ورسائله الخاصة على»الواتس آب»..!
في هذه اللحظة التاريخية خرج المختار من قصره «الأبيض» وكأنه جنرال «قديم» شارك في إنزال النورماندي، وراح يصدر الأوامر ويشرح التعليمات مذكراً الجميع بضرورة التزام النظام والهدوء والحذر من النشالين، ثم ذكّرهم بالبطاقة «الذكية» ومدة الـ /23/ يوماً التي مضت على آخر استعمال.. فتذكر صاحبنا «بغتة» أنه أعزب وليس لديه أسطوانة غاز بالأصل، ولم يسبق له أن حصل على البطاقة المذكورة، وبينما كان مستغرقاً في التفكير وينوي الهروب من استفسارات جارته في الطابور، حضرت شاحنة الغاز المنتظرة، ثم هبّت معها نسمة هواء لطيفة، فخرج منها عدد من «عصافير الجنة»، وراحوا «ينقرون» محتويات الشاحنة بكل رومانسية، تاركين للمختار مهمة إقناع الباقين أن شاحنة أخرى قادمة..
غادر صاحبنا طابور الغاز والتحق بطوابير الفرن الآلي، حيث كان «رومل» حماية المستهلك يجري فحصاً دقيقاً لطالبي الخبز من أجل إعطائهم مستحقاتهم..!