تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


من يعــاود الحلـــم بمدينـــة أفلاطونيــــة فاضلــة..؟

ثقافة
الأحد 4-1-2015
هفاف ميهوب

«نحنُ مجانين إذا لم نستطع أن نفكّر, ومتعصِّبون إذا لم نرد أن نفكِّر, وعبيد إذا لم نجرؤ أن نفكر».. «إن تعبتَ من الخير فإن التعب يزول والخيرُ يبقى, وإن تلذَّذتَ بالآثامِ, فإن اللذة تزول والآثام تبقى»..

كلماتٌ, كأنها قيلت لهذا الزمن, بل لكلِّ الأزمنة التي لايوجد فيها شيءٌ فاضل. لاأخلاق ولاضمائر ولاأفعال, ولاسوى ذلك مما جعل الفيلسوف اليوناني «أفلاطون»لايريدُ الصحو من حلمٍ توسَّدهُ كمدينةٍ فاضلة.‏

حتماً, الأمر يحتاجُ إلى تفكيرٍ حرٍّ ونزيهٍ ومستنير. يحتاج إلى صحوِ خيالٍ لاصورَ فيه للبشاعة أو الحقد أو الاستغلال أو الأمل الضرير. خيال, أشبهُ بخيالِ «أفلاطون» الذي أول مابدأ يتخيَّل, بأنه سيصبح شاعراً, ليتحوّل خياله وبعد أن أصبح في العشرين من العمر, والتقى بـ «سقراط» الذي لازمه ست سنوات, وتأثَّر بالحكمِ الجائر الذي كان سبباً في موته, إلى فلسفي الحلم. الحلم الذي أراده فكان, وبعد أن جمع قصائده فأحرقها وارتحل باحثاً في عادات الأمم ونظمها وأديانها, وكل ما أرادَ به إيجاد مثله الأعلى. المثل الذي جسّده في جمهوريته الفاضلة.‏

هذا ماحلمَ به «أفلاطون» الذي عاد إلى «أثينا» وكان في الأربعين من عمره, والذي أقام في قريةٍ صغيرة كان قد ورثها عن أبيه. القرية التي بدأ فيها بإلقاء محاضراته الفلسفية وحواراته. تلك الحوارات التي جعلت منه معلّماً يهرع الشبان للتزوّد من علمهِ وفلسفته, وأمام ضريح «أكاديموس» أحد الأبطال, ومن كان سبباً في جعل دار «أفلاطون» مدرسة أطلقَ عليها اسم «أكاديمية». اللفظة التي اعتُمدَ إطلاقها ولايزال, على المجامع العلمية.‏

من هنا, فإن مدرسة «أفلاطون» كانت أولى الجامعات في العالم. أولى الأكاديميات التي حاور هذا الفيلسوف فيها العقل,وبلغة الأديب وفكرِ الغَالِم. أيضاً, بفلسفةٍ فرضَ على طلابه دراسة الرياضيات قبل دراستها ومحاورتها.‏

كان هذا, بداية لقيام «أفلاطون» بالتخطيط لإقامةٍ مدينةٍ فاضلة.. جمهورية تخيَّلها عقب الحرب التي نشبت بين اسبارطة وأثينا. الحرب التي طالت مدتها وامتدت حرائقها إلى أن خرّبت البلاد, ونشرت الفوضى والخراب والدمار.‏

إنها الحرب التي نعيشها أيضاً, والتي اضطرَّتنا للحلم بمدينةٍ أفلاطونية فاضلة ومثالية.. مدينة متمدِّنة. شعبها واحد, ورأيهم واحد, وأهلها في حالٍ وسط بين الفاقةِ والترف, فلا الترف يكسبهم التبلُّد ولا الفاقة تَضعفهم وتكدهم.. مدينة هي الوطن الذي لاقوة تحكمه إلا قوة الحكمة التي تصدر عن فيلسوفٍ أوعالم.. مدينة, كل إنسان فيها يخدمها وفقَ كفاءته وقدرته, وبعد أن يوضع في المكانة التي تؤهله لها صنعته. فالـ «الشخص الصالح لايحتاج إلى قوانين تخبره كيف يتصرف بمسؤولية, أما الشخص الفاسد فسيجدُ دائماً طريقة للالتفاف على القوانين».‏

نعم, هي المدينة الفاضلة التي شجعني «أفلاطون» على تخيِّلها, بل على الحلمِ بها, وعبرَ أفكارٍ مثلما ماتَ قبل أن يُحققها, هانحنُ نموتُ قبل أن نفهمها. مدينة هدمها جهلنا، وبسعينا لهدمِ نظامنا السياسي والتربوي والمعرفي والأخلاقي.‏

إذاً, فلنحلم طالما نحنُّ على قيدِ الحياة.. لنقرأ ونفكر, فـ «التفكير هو حوار الروح مع ذاتها».. لنفكر, لأننا وعلى رأي «أفلاطون».. «مجانين إذا لم نستطع أن نفكر, ومتعصبون إذا لم نرد أن نفكر, وعبيد إذا لم نجرؤ أن نفكر».‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية