ويختلف الأشخاص في مدى تحملهم وتكيفهم مع الضغوط وفقاً لتكوينهم الوراثي والشخصي والنفسي، ووفقاً لتجاربهم وخبراتهم وظروفهم الخاصة.
ويمكن في حالات نفسية مرضية عديدة تماثلت للشفاء أو تحسنت ظاهرياً أن تنتكس في مثل هذه الظروف مثل حالات الاكتئاب أو اضطراب المزاج ثنائي القطب أو الفصام أو الوسواس القهري وغيرها ..
كما أن تجارب الفقدان أو التهديد بالفقدان التي تتصف بها حالات الحروب يمكن لها أن تهيئ للاكتئاب والقلق والاضطرابات النفسية والجسمية وغيرها.
ويمكن أن تحدث حالات انفعالية خاصة مثل الخدر والتبلد واللامبالاة كرد فعل على الحوادث الصادمة المتكررة.
وفي حالات الأطفال بشكل خاص يمكن أن تكون الآثار المترتبة على الصدمات عميقة وطويلة الأمد ..ويمكن أن تظهر هذه الآثار في مراحل العمر التالية في المراهقة والرشد.
ويتميز الطفل أنه كائن صغير بحجمه وجسده، وامكانياته العقلية محدودة، ولديه هشاشة انفعالية ونفسية، كل ذلك يجعله عرضة لاضطرابات نفسية متنوعة ناتجة عن الصدمات. لكن من ناحية أخرى إيجابية لديه مرونة عامة واهتمامات صغيرة وألعاب تثير اهتمامه وتحقق له الرضا والمتعة، ما تجعله ينصرف عن الأحداث المحزنة أو الصادمة إلى غيرها.
وتبين الدراسات أن نسبة من هؤلاء الأطفال الذين يعيشون في ظروف صادمة تظهر لديهم اضطرابات الشدة عقب الصدمة وأعراض القلق والتوتر واضطرابات النوم ونوبات الرعب الليلي والتبول الليلي والمخاوف المتعددة واضطرابات المزاج والاكتئاب، إضافة للاضطرابات السلوكية والعناد والتمرد والعدوانية وعدد من الاضطرابات النفسية الجسدية مثل الحساسية الجلدية أو الربو الصدري أو الاضطرابات الهضمية المتنوعة وغير ذلك قي المدى القصير التالي للصدمات، وفي المدى البعيد يمكن أن تظهر اضطرابات القلق المتنوعة والمخاوف الاجتماعية والعزلة والاكتئاب والسلوك الادماني، إضافة إلى السلوك المضاد للمجتمع والعنف الزوجي وغير ذلك.
وتشمل القواعد النفسية العامة للتعامل مع الظروف الصادمة حسب الدراسات النفسية عدة نقاط:
1- التأكيد على الواقعية والتكيف مع الظروف الصادمة قدر الإمكان، مع ضرورة مخاطبة الطفل بلغة يفهمها يتم من خلالها شرح ما يجري بشكل مبسط ومفهوم دون مبالغات وقلق زائد.
2- التأكيد على أهمية الأمان والتطمين، وطبعاً الخوف والقلق مفهوم نسبي ولا بأس بدرجة من القلق لأنها واقعية وضرورية .. والمطلوب تخفيف درجات القلق الشديدة وتصغيرها من خلال التطمين وتعديل الأفكار المضخمة حول الخطر.
3- التأكيد على ضرورة متابعة الطفل لنشاطاته اليومية التي يقوم بها قدر الإمكان، ما يساعد على انتظام أدائه النفسي والعقلي بشكل مقبول.
4- تقديم المثال والنموذج المتماسك قدر الإمكان من قبل الأهل والمدرسين والكبار؛ لأن الطفل يتأثر بالآخرين أكثر من الكبار.. والخوف والتوتر واليأس وغيرها من المشاعر والانفعالات السلبية تنتشر بسرعة أكبر من المشاعر الإيجابية، وفيها عدوى واضحة وسريعة.
5- تقديم نصائح عملية حول التخفيف من المخاطر والإصابات مثل الابتعاد عن النوافذ والأماكن المفتوحة والخطرة والطوابق العليا وغير ذلك، ما يعزز العقلانية، ويقوي من السيطرة على انفعالات الخوف والقلق الشديدة.
6- لا يمكن عزل الأطفال عن العالم الخارجي وعما يجري حولهم، لكن من المفيد تخفيف تعرضهم للمشاهد والأحداث الصادمة قدر الامكان.
وتبين دراسات العنف أن رؤية المشاهد العنيفة تزيد من السلوك العنيف عند الأطفال، ولاسيما عند الذكور وفي حالات الأسرة المفككة وحالات الإدمان الوالدي وغير ذلك، ويزداد العنف عند الأطفال بسبب التقليد والتعلم بالملاحظة وإثارة الذكريات العنيفة ونقص ضبط العدوانية الناتج عن مشاهدة العنف وأيضاً بسبب التعود والاعتياد على العنف والتماهي مع الشخصية العنيفة.
7- من المفيد دائماً الحديث مع الأطفال والاستماع لأفكارهم ومخاوفهم، ومن الضروري أن يعبر الطفل عن مشاعره وخوفه، وأن يتم محاورته وأيضاً من المفيد التعبير عن صدماته وقلقه من خلال الرسم والألعاب والتمثيل .. وكل ذلك في إطار تعبيري وتربوي وعلاجي.
إن العنف والحروب تخلق المآسي والكوارث الهائلة على الصعيد البشري والاجتماعي والنفسي، ولابد من الجهود التي تسعى للتخفيف منها والحد من ويلاتها، وتبقى إرادة الحياة والتكيف معها والاستمرار فيها محركاً أساسياً عند معظم الأشخاص .. وهو يتفوق على الخوف والموت والدمار.