ويربط الصندوق بين التعليم وصناعة السلام وحماية المرأة من العنف، أيضا لا يمكننا إنكار دور التعليم في تمكين المرأة لتنمية شخصيتها كفرد فاعل في الأسرة والمجتمع تستطيع رفع حيف التمييز ضدها في المجتمع، ولكن عن أي تعليم نتحدث؟ وفي ظل أي ظروف؟
لم يستثن قانون التعليم الأساسي وقبله التعليم الإلزامي الإناث من التعليم، وقبل هذه الحرب وصلت المدارس إلى أبعد القرى والبلدات على امتداد بلدنا. لكن يمكننا السؤال هل قانون إلزامية التعليم، وبعده التعليم الأساسي كان مطبقا في جميع المناطق مدن وأرياف وبادية؟ وهل حققت استراتيجية التعليم ترسيخ الإنصاف وتكافؤ الفرص داخل المدرسة، مع الجودة للجميع، فحققت تنمية الفرد والمجتمع.
إن ظروف الحرب اليوم تظهر كعائق أمام الإجابة عن تساؤلاتنا، فوزارة التربية عملت بأقصى ما تستطيع لإبقاء المدرسة مفتوحة وأمام الجميع، لكن قبل الحرب كان العمل قائما على تحسين نوعية التعليم، وعلى مراقبة تنفيذ إلزامية التعليم أيضا، لتطبيقه في جميع الأحياء والأرياف، ولمنع التسرب.
أي أن السؤال عن استفادة الجميع من التعليم كان قائما، وفي مؤتمرات وورشات وزارة التربية وكان السؤال أيضا عن جودة التعليم و عن العدالة بالاستفادة، أي من يستفيد من المدرسة؟ هل المدرسة أداة للمساواة؟ هل المدرسة قائمة على الإنصاف؟ هل تقدم خدماتها بتساو على كل أبنائنا ذكوراً وإناثاً في جميع مدارس القطر؟ وكان العمل على تعديل المناهج بما يحقق ما تريد الدولة من زرعه من قيم جديدة، وقد حدث تقدم هنا وتعثر هناك ، وجاءت هذه الحرب لتغير الأولويات، لكن طالما العمل قائما والمؤسسة التربوية التعليمية قائمة ولها ميزانية من الحكومة، والحكومة كما تضع في أولوياتها الاهتمام بالتعليم لتحقيق التنمية، فإن من أولوياتها تمكين المرأة، فهل نظام التعليم يحقق شروط التنمية أم يتعثر بالعديد من المشكلات والاختلالات؟ وقبل الحديث عن شيء يخص تعليم الإناث له بعد اجتماعي مرتبط بالعادات والتقاليد والأعراف، لابد من الحديث عن الإنصاف وتكافؤ الفرص في الاستفادة من التربية والتعليم، وهذا يقتضي القيام بدراسات تجيب بموضوعية عن تلك الأسئلة المتعلقة بالإنصاف، أي دراسات تحدد لنا من يستفيد من المدرسة وتحدد لنا مدى أثار الانتماء الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والجغرافي على أداء التلاميذ. في الفترات السابقة تم تنفيذ مثل تلك الدراسات وبصورة مبعثرة ومشتتة منها ماقامت به منظمة اتحاد شبيبة الثورة، ومنها الهيئة السورية لشؤون الأسرة، وأوضحت تلك الدراسات أن هناك العديد من العوامل المتداخلة التي تمنع الاستفادة رغم إلزامية التعليم ومجانيته، لذا يبدو مطلوبا اليوم بحث تربوي، توكل له مهمة الكشف عن هذه العلاقات التربوية، إلى معطيات دقيقة عن هذه العوامل.
لأننا لا نجد في المدرسة أي معطيات عن بيئة الطفل أو الطفلة، أي عن الانتماء الاجتماعي و الاقتصادي والثقافي للتلاميذ التي تفسر هذه النتائج الدراسية. ولا نجد سوى نتائج التلاميذ وتحصيلهم الدراسي معزولة عن متغيرات عديدة مرتبطة بها في الواقع ويمكن أن تفسرها.
رغم أن تأثير الانتماء للتلاميذ على أدائه الدراسي هو معطى أكدته دراسات هيئة الأسرة ومنظمة الشبيبة، وكذلك المؤسسات التربوية في العالم، بل أضحى عاملا تقليديا معروفا يؤكد أن التفاوت في الاستفادة من المدرسة قائمة، وهي لصالح الطبقات المحظوظة على حساب الطبقات الفقيرة. ولصالح المناطق النامية على حساب المناطق النائية.
فهل المدرسة قادرة على مواجهة التفاوتات الاجتماعية. إن المشاهدات تثبت عكس ذلك خاصة مع انتشار المدارس الخاصة ، ولكن حتى داخل المدرسة الحكومية يبدو الأمر قائما.
و التفاوت بالاستفادة من مجانية التعليم أو هذه الخدمة العمومية بناء على الانتماء الاجتماعي و الاقتصادي والثقافي والجغرافي ظاهر للعيان، ذلك أن عدم الالتحاق بالمدرسة والانقطاع المبكر عن الدراسة والهدر المدرسي بكل أشكاله، هو يطال أبناء القرى البعيدة وأبناء الطبقة الفقيرة وخصوصا الفتيات منهم، أكثر ما يطال أبناء الطبقات المحظوظة. كما أن التفاوت في الاستفادة من جودة التعليم هو أيضا قائم ، ويميل لصالح المدن على حساب الريف، فغالبية الأنشطة والدورات والتدريبات تكون للمدن، ولفائدة المؤسسات المتواجدة بمركز المدينة على حساب المؤسسات المتواجدة بالأحياء الشعبية.
إن الحديث عن تنمية التعليم للإناث دون الحديث عن مستوى معيشي اقتصادي لائق يبدو ناقصا، وكما تمت المطالبة لإحداث تمييز ايجابي في التمثيل النيابي وغيره للمرأة، نطالب لمعالجة هذه التفاوتات القائمة في الاستفادة من التربية بتمييز إيجابي لصالح مدارس المناطق الفقيرة وحتى المدرسة الحكومية بمقابل المدرسة الخاصة، لاستدراك جوانب النقص والتعثر وضمان عدم التسرب والتصدي لكل أنواع الهدر والانقطاع. أي ضمان البقاء في المدرسة أطول وقت ممكن والاستفادة من ميزة التعليم الأساسي، انطلاقا من أولوية الحكومة بتحقيق التنمية وبناء مجتمع يحقق العدالة في التعليم والعدالة بين النساء والرجال وخاليا من العنف.