تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


تشكيل... فداء منصور في جدارياته ولوحاته..الواقعية والعفوية وتنويع المواضيع والتقنيات

ثقافة
الثلاثاء 2-10-2018
أديب مخزوم

قدم الفنان الشاب فداء منصور، ثمرة بحوثه في لوحات عديدة متنوعة، في موضوعاتها وتقنياتها, وبصياغة اقرب الى الواقعية الحديثة, لأنها مشحونة باللمسات العفوية,

‏‏

المعبرة عن صدق تعامله مع الخط واللون. ولقد ظل في حيز اللغة التشكيلية الواضحة والقريبة من الجمهور، و استمر في البحث داخل جدارياته ولوحاته عن مفردات وجدانية, وبما يؤكد حضورالضوء الشرقي, ويضمن إبراز الحداثة في معالجة اللون، بحيث يجعل منها مادة ذات أبعاد جمالية وتعبيرية، تنقل الحس المباشر الذاتي والداخلي.‏‏

جداريات بانورامية‏‏

‏‏

ولايجوز التحدث عن أعمال فداء منصور، دون الرجوع الى جدارياته البانورامية, وخاصة جداريته (طريق الحرير) التي أنجزها, على جدار السفارة الصينية في دمشق (بطول خمسين مترا وارتفاع مترين) وفيها جسد آثار تدمر وسور الصين العظيم وقوافل الجمال وبعض المشاهد الأخرى، للتعبير عن عمق الصداقة التاريخية، القائمة بين سورية والصين منذ عهد زنوبيا والى اليوم, كما تظهر بحيرة الماء، واشجار النخيل العالية، تتخللها المرتفعات والمنخفضات الرملية، المترامية الأطراف, ومن الناحية الفنية، نجد اللمسات العفوية, والمساحات الواسعة، وخاصة في صياغة المساحات الخضراء المحيطة بسور الصين، في حين تظهر الدقة والتدرج اللوني في الأعمدة وتيجانها والجدران التاريخية وأحجارها، التي توحي بالقدم وبتعاقب الأزمنة, ونلمس في هذه الجدارية بعض التحولات في مسائل الدمج ما بين الواقعية والحداثة اللونية, وقد تكون هذه الجدارية، التي تطلبت كثيراً من الجهد والوقت، هي الأولى من نوعها في سورية، ويستحق عليها كل تقدير وتكريم.‏‏

فنان ملتزم‏‏

وفداء منصور فنان ملتزم يشارك بالمناسبات الوطنية, ولقد فاز بجائزة معرض تحية لشهداء قوى الأمن الداخلي، لسنتين متتاليتين، كما حصل على المركز الأول في معرض مكافحة المخدرات 2018,والى جانب معرضه الفردي في ثقافي ابو رمانة 2015, له مشاركات عديدة في معارض جماعية رسمية وخاصة. ودخلت بعض لوحاته ضمن مقتنيات رسمية وخاصة في الداخل والخارج. وإحساسة الوطني المتواصل، يظهر بوضوح في العديد من لوحاته، ومن ضمنها لوحة جسد فيها فرح الطفولة والمراجيح, بينما تظهر طفلة تلعب بثلاثة بالونات ترمز بألوانها إلى العلم السوري, ونلاحظ العفوية والتبسيط في معالجة العشب والشجر وفسحة السماء، التي تحولت الى ضربات عريضة متلاحقة. كما جسد بواسل جيشنا السوري وانتصاراته، في لوحات عديدة، أظهرت صلابته وقدرته على دحر العدوان والتصدي له وتحقيق الانتصار، دون أن يقدم تنازلات فنية, على الصعيدين التكويني والتلويني, ولقد شكلت لوحته (فتاة في حقل قمح) مفاجأة لي بقدرته على ملاحقة التفاصيل, في تجسيد سنابل القمح, علاوة على قدرته في تجسيد الجمال الأنثوي، بالشعر الطويل المنساب جمالية وحيوية.‏‏

من هنا تولد لوحته الفنية الحديثة، التي تتجاوز الواقعية التسجيلية أو التقليدية، كونه يلون عفوياً ويوازن ضوئياً، وينفعل عبر الضربات اللونية المتداخلة والمتلاحقة, حيث يجد المشاهد مسار اللوحة قد ولد بحالة عفوية وتلقائية وارتجالية أحياناً., والارتجال يبرز في لوحة جسد فيها وجهاً وأحاطه بحركات لونية تجريدية انفعالية، متزايدة السرعة والجرأة اللونية, الشيء الذي يجعل لوحاته، في تحولاتها وتنقلاتها, تحمل تقلبات مشاعره وأحاسيسه الداخلية.‏‏

تعابير البؤس‏‏

ولقد تعاطف الفنان فداء منصور (القادم من محترفات كلية الفنون الجميلة - قسم التصوير 1999ودبلوم الدراسات العليا) في بعض لوحاته مع أحاسيس القلق والعذاب الإنساني، واطلت اللوحة كفسحة حقيقية لتعابير التوتر والكآبة والعزلة والاختناق، كي يروي من خلالها حقائق حياتية معاشة (مثل لوحة الطفل النائم في العراء، والفتاة البائسة وغيرهما) مرتكزاً على تعبيرية أسلوب تحديد التجسيد المأساوي.‏‏

ومن خلال تأملي الطويل لبعض لوحاته, التي قدمها في فترات متقاربة ومتباعدة، وجدت أنه استخدم لمسات أكثر من أسلوب. وهذا التنوع التقني والاسلوبي لايعطي انطباعاً سلبياً كما يفسر البعض، بقدر ما يشكل حواراً مفتوحاً على الحرية التعبيرية المستمدة والمتفاعلة مع معطيات الحياة الذاتية المعاشة، فالفن لا يعني الجمود واجترار مفردات وشعارات جاهزة، بقدر ما يعني ترويض إيقاعات القلق الفني، في خطوات الوصول إلى تحوّل نوعي، يريد الإفصاح عنه في حركة الرموز والدلالات والإشارات اللونية.‏‏

وهذه الحرية هي من حق الفنان، إذا كان صادقاً مع نفسه ومع عمله، وهي التي تحقق السعادة في التعامل مع المادة اللونية، وتقود الفنان إلى الإمساك بمناخات تعبيرية ولونية خاصة.. (وهذه الحرية في التعامل مع الأشكال والمواد والألوان هي التي جعلت فناناً أسطورياً مثل بيكاسو، يتنقل من مرحلة إلى أخرى ومن أسلوب إلى أسلوب).‏‏

وإذا كان في لوحاته يركز لاظهار المواضيع المختلفة والمتنوعة، إلا أن مايجمع تلك اللوحات هو أنها منفذة بروح واحدة، رغم تعدد الخبرات والنتائج، لأن اللون الذي يجسده في لوحاته، هو لون من داخل نفسه، فهو يبدأ بإحساس معين لصياغة اللوحة، وهذا الإحساس يمنحه حرية أكثر في استخدام ضربات أو حركات فرشاة الألوان، في محاولة لإيجاد المزيد من التوافق بين الضوء الشرقي والإحساس اللوني, ضمن روح واحدة، وهذه الروح تعني أن هناك مناخا خاصا تتمحور فيه تجربته، رغم كل التنويع الذي يبرز في لوحاته، وهذا المناخ يمكن ملاحظته، من قبل المتابع المختص. ولا شك بأن الحرية الأدائية التعبيرية في المظهرين التكويني والتلويني, عبرت عن تداعيات ثقافته البصرية, وكشفت عن مواقفه وتطلعاته وتنويعات حساسيته التشكيلية البصرية والروحية.‏‏

facebook.com adib.makhzoum‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية