ذلك بشكل عام، أمّا في الظّروف الإستثنائيّة ذات المنعطفات المصيريّة فأعتقد أنّ الأمر يجب أن يختلف، و لاسيّما أنّ (النّظام) لم يعدْ ذلك الذي كان من قبل، فقد دخلنا، عمليّاً، منطقة تؤهّلنا للخروج ممّا ارتكبه المرتكبون، وتمهّد لنقلة جديدة، كفلها دستور البلاد، وستدعمها التّعدديّة السياسيّة، والقوانين التي صدرت، والتي سوف تصدر، مسنودة بانتخابات مجلس الشعب، وبما ستحمله التعدديّة الديموقراطيّة للأحزاب التي ستمثل على الأرض، و أنا هنا أعني بعض المثقّفين، أو الذين هم على تخوم الثّقافة بشكل ما، و لاسيّما الصّامتين، والذين يغرّدون على أسيجة الآخرين، أعنيهم من منطلق أنّهم من حيث التأهيل العلمي، يُفترض أنّهم أكثر تبصّراً، ومعرفة، من الشّرائح الإجتماعيّة التي لم تساعدها ظروف حياتها على إكمال تعليمها، فحمَلَة الشهادات يُنظر إليهم، بحسب درجات تأهيلهم، لشَغل مناصب تُعتبر قياديّة، أو ذات فعاليّة، فإذا وجدنا مًن يحمل تلك المؤهِّلات وهو لايختلف في شيء عن شبه الأميّ المضلَّل، أو الذي انزلق إلى مهاوي الطّروحات الطّائفيّة والمذهبيّة، فينقل كلّ ماتنشره فضائيّات الدسّ، و الارتهان، من غير تثبّت، ويحمل الشُّحنة ذاتها، فذاك يعني أنّ الثّقافة ليست عاصماً، وأنّ ثمّة عوامل أخرى لاتمتّ بخيرللوطن، بل يمكن القول: إنّ ثمّة ما يقتضي مراجعة معظم ماتراكم، ممّا يمكن أن يسمّى بالإنتاج الثقافي، مقروناً بتلك المفارقة العجيبة الغريبة بين ماقاله الإنتاج الأدبي الثقافي، و المواقف التي اختارها أولئك الكتّاب، لأنّ حدوث مثل هذه الزّعزعة، في المَواطن المقصودة، ينبئء أنّ ثمّة خللاً لابدّ من تقصّيه، وثمّة مرَضاً لابدّ من مداواته، تتحمّله السلطات الرسميّة المسؤولة، بقدر ما يتحمّله الأفراد الذين كنّا نظنّ أنّ لقاءهم بالقوى، أو بالفصائل الرّجعيّة هو من سابع المستحيلات، فإذا هم أبواق في تلك الفضائيّات المذهبيّة الحاقدة، وإذا بهم ينحدرون إلى وهاد ما كانت تخطر لنا على بال!!
- 2 -
قال له: «هل قرأتَ مقالة صديقك الدّاعية إلى ضرورة المحاورة مع عدد من أسماء الذين يُشتهرون الآن أنّهم (معارَضة)، للوصول إلى ما يُخرِج من الأزمة، وأنا هنا أوصّف، ولا أقيّم»؟.
أجابه: «هذا شأنه، أقول هذا مع إدراكي أنّ أيّ رأي يُنشَر هو في مرتبة ما هو عام، ومن حقّ كلّ مَن لديه رأي مختلف أن يطرحه، شريطة عدم الإساءة، والابتعاد عن زعزعة البنية المجتمعيّة في تلاحمها الوطنيّ الطّويل»،
قال له: «أليس في ذكر الأسماء، حين يُصرَّح بها، مايحمل بعض الإشارات، أو بعض الميول، أو تقديم لون على آخر، أو حتى بعض الدّلالات الواضحة»؟
أجابه: «لاأستطيع الحكم على ماهو مُبهَم، ونحن، كما أرى، في مرحلة أحوج مانكون فيها لتسمية الأشياء بمسمّياتها، في إطارلا يثير الأحقاد والضغائن، وفي مناخ يُقترض فيه تقديم كلّ ما يؤدّي إلى لُحمة الوطن، على غيره»،
قال: «مارايك بالسيّد (.......)»؟ وذكر اسماً له شُهرته.
أجابه: «نحن، كما أعتقد، جميعاً في وضع متوتّر، واستثنائي، وحكمنا يُبنى على القول الواضح، أو الموقف الذي هو ترجمة عمليّة، لاشُبهة فيها، والموقف المجسَّد عمليّاً قد يُلغي آلاف الصفحات التي كتبها صاحبها، أليس هذا هو حال - علي سالم - الكاتب المسرحي المصري المعروف، والذي كانت كتاباته تجد رواجاً في أوساط القوميين والديموقراطيين واليساريين، و قد نال من التّطبيل والتّزمير ما يكفي، فإذا هو يتحوّل، عمليّاً، إلى داعية لكامب ديفيد وللسّلام الملغوم مع إسرائيل، و(.....)، هو وغيره، حين يتحوّل إلى (مبيّض) لمواقف مشيخات الأعراب الأجراب، ونحن نعلم أهداف هذه الطّغمة التي لم تعدْ متلقيّة أوامر عواصم الغرب فقط، بل أصبحت تصدّر عناوينها، ومقولاتها، فيتوافق معها أن كنّا نظنّ بهم الخير، والفهم، وصلابة الانتماء للمبادئ، حين يحدث ذلك فهذا يعني أنّه قد ارتضى أن يدير ظهره لكلّ الأفكار والمبادئ التي تضمّنتها كتبه، وأن ييمّم جهة جديدة، بدوافع ليست مبدئيّة أو فكريّة، وإذا وُجد شيئاً ممّا يمكن إلحاقه بالفكر، ولو اسميّاً، فهو من الفكر الظّلاميّ، الخرافيّ، التّكفيريّ، وهو المسؤول عن خياره».
قال: «ما رأيك بمن يكتب مقالاً يُطالب فيه بدعوة عدد من المفكّرين لتتحاور السّلطة في سوريّة معهم، وكان في جملة مَن ذكر أمثال هذا الذي لم يعد يخجل من أنّه أحد نجوم فضائيّات (العربان)»؟
أجابه: «ذاك رأي صاحبه، وما أظنّ أنّ آراء من ذهبوا إلى تلك المواقع هي زلّة قلَم، بل هو خيار سياسيّ لا لبس فيه».
قال: «وصاحب هذا الرأي، هل تعتقد أنّه يتّفق مع كلّ ما فعله مَن ذكرتَ ؟!».
أجابه: «أنا لا أتّهم أحداً ممّن اختلف معهم، من الذين لاذوا بالصّمت، علماً أنّ في الصّمت شبهة ستظلّ قائمة إلى أن تُزال، والمطلوب أن تُسمّى الأشياء بقوّة بأسمائها بالنّسبة للذين أعلنوا التحاقهم بقوافل الرّيال والدّولار، ولا ننسى أنّنا جميعاّ، إلاّ ما رحم ربّك، نعاني من أنّ ثمّة مَن لوث الماء وحرّك الطين الذي فيه، وهذه حالة عاصفة، أصابت مَن أصابتْ بشيء من عجز الرؤية، ولا بدّ من أنْ ترقد المياه لتكون الرؤية سليمة، وهنا، اسمح لي أن أشير إلى أنّ بعض المثقّفين يرون أنّهم بقدر إظهار اختلافهم مع (النّظام) فإنّهم يقفون في المكان اللآّئق!! ومع الاعتراف أنّ من حقّ الإنسان أن يختار الأرض التي يقف عليها، بيد أنّ الأمور حين تأخذ صفة إمّا أن يكون الوطن، أو لايكون فيُفترض أن تكون المواقف بحسب ذلك الإدراك، وما أعتقد أنّ الذين فضّلوا الخيارات الدّاعمة للشّرذمة يفتقرون إلى ماتتمايز به الأشياء».
قال: «أو لا تخشى أن يُفسَّرهذا الكلام على أنّه اصطفاف مع (السّلطة)، أو أنّه دفاع مبطّن عن أخطائها»؟
أجابه: «في هذا الظّرف الذي تمثّل فيه السلطة الحرص على وحدة الوطن، وعلى التّصدّي للمشروع الصهيوأمريكي، وتعلن عن رغبتها في الإصلاح، وفي الخروج من كلّ ماكنّا نشكو منه، في هذه الحالة.. نعم، أقف مدافعاً عن قناعتي، ولا أتردّد في الدّفاع عنها، وهذا لايعني الدّفاع عن الأخطاء، والارتكابات التي سادت، بل أنا مع المطالَبَة بالصّوت العالي للخروج من تلك المناطق، ومحاسبة الذين ارتكبوا، وأثروا، وكانوا مسؤولين عن تراكم السلبيّات، وأضيف أنّني لستُ راضياً عن أداء الحكومة الحالي، وخاصّة فيما يتعلّق بمراقبة الأسعار، وفي معالجة الشأن العام، لأنّ كلّ معالجة لاتضع في اعتبارها مصالح الشرائح الفقيرة هي معالجة قاصرة، أو ملغومة، ولا يحتجنّ أحد بالقوانين النّافذة، فالقوانين يمكن تغييرها بالطريقة التي وُضعت فيها».
قال: «أليس طبيعيّاً أن تقف المعارضة في صفّ واحد، على اختلاف ألوان طيفها»؟.
أجابه: «المعارضة الواعية، الوطنيّة دليل حيويّة، وعلامة صحّة، وقد يتّفق عدد من الأحزاب على خوض معركة انتخابيّة ما، وربّما نجد مَن هو مِن أقصى اليسار وقد تحالف مع واحد من أقصى اليمين، وقد تكون لنا اعتراضاتنا الأخلاقيّة، أمّا حين يلتقي مُعارض ما، كاتب ما، مع مَن يرسلون رسالات علنيّة للمحتلّ الإسرائيلي، كجواز مرور للحصول على الرضا الأمريكي، تمهيداً للوصول إلى السّلطة، فذلك شيء آخر، ولاسيّما أنّ موقف واشنطن غير خاف على أحد، وهنا من المهمّ جدّاً التّنبّه إلى ضرورة أن تُزان الأمور بميزان الإستحقاق الوطني، لابميزان الأهواء الشخصيّة، بدوافعها المتعدّدة، والمعقّدَة، و التي قد تنزلق إلى مواقع قد تشفي الغليل الشخصي، ولكنّها لاتنفع الوطن».
aaalnaem@gmail.com