ولعل القيمة الكبرى بل العنوان الأكبر الذي ينتظم مسيرة هذا الوطن بحضارته ومدلولات الوجود القائد والمؤثر لهذاالوطن على العرب وعلى العالم إنما يكمن في أن سورية وطن مباح ومتاح أي أنه مناخ إنساني قادرعلى استقبال كل مايصدر عن العالم من مكونات مشعة وقادرعلى أن يتمثلها ويسبغ عليها حقائق الهوية السورية ثم يصدرها بعد إعادة إنتاجها إلى العالم كله.
وعلى هذه العلاقة المتبادلة توطدت صفة المباح والمتاح فصار العالم مدىً سورياً للعطاء وصارت سورية بموجب ذلك حاضنة مكثفة يتبلور فيهاكل مايصبو إليه الإنسان من قيم وتحولات ومنجزات ومن مقومات كبرى لإعادة التوازن مابين حضارات العالم بتنوعها عبر التفاعل وبعيداً عن صدام وتصادم هذه الحضارات، والتاريخ الحي رغم مرور آلاف السنين هو عامل مقلق بالنسبة للموجات الاستعمارية العالمية القديم منها والوسيط والحديث والراهن، وكل اتجاه يستقوي بجذوره الوطن السوري هو بيئة الجذور الحية والاستعمار بموجاته الغربية على الغالب والإمبريالية في العصر الحديث لايمتلك سوى جذرين مشوهين مفعمين بالسموم والاغتراب والتخبط، جذر معنوي أساسه الرغبة في كسر إرادة الآخرين من شعوب الأرض وفي التوجه المعتمد نحو تشويه الحضارات الإنسانية فحجة أنها حضارات الماضي وأن الإمبريالية على العكس من ذلك تمتلك حضارات الراهن والقادم وجذر آخرمادي يتمثل في فهم الوصول إلى القوة الصماء بصيغة أدوات القتل العسكري وجنون البحث الدائم عن كل ذرة علم من شأنها أن تقتل أكثر وتقتل أسهل وهكذا أطلق الغرب طاقات المدفع والصاروخ وكل سلاح فتاك ولم يدرك قط بأن طاقة الروح والنفس والحضارة هي الأهم وهي القادرة على أن تؤمن للبشرية تطورها ومصادر تسديد حاجاتها ومقومات تآخيها وتفاعلها على جسر المحبة والسلام والمصالح المتبادلة، هذه القصة التي كانت تبدو وفلسفية وتاريخية تفرض حضورها الآن، ولقد أسلفنا بأن سورية وطن مباح لكل من يحمل رسالة يستكملها على هذه الأرض، يستقبلها من السماء أو يطلقها من الجغرافيا السورية ثم يقدمها للعالم بأسره بلا شروط ولا اشتراطات وهنا يكمن الجوهر القوي لوجود الإنسانية في سورية ولتأثير سورية على الوجود الإنساني.
ولهذا السياق فإن الحرب منذ القديم أعلنت على سورية لأنها مباحة ومتاحة للخير، وكان لابد من طمس معالم هذا التدفق من العمق إلى الأفق ومن الجغرافيا السوريةإلى الحدود الإنسانية وهنا استبدت بالقوى الاستعمارية نزعة الاستباحة لسورية أي تحويلها إلى مقر مخترق وإلى وطن مستباح وكأنهم يعتقدون بأن سورية هي مركز الأرض والاستباحة تلازمها الجريمة وتتلازم مع الإرهاب وهذاماحدث في الآونة الأخيرة حيث تم التركيز على خطين متوازيين أصلهما واحد وغايتهما واحدة ولكن لكل خط منهماخصائصه في التداول ووظيفته في إغلاق دائرة الجريمة من كل محاورها، في الخط الأول تعمقت إلى حد نوعي قصة السلاح بيد الإرهابيين واشتغلت قوى الغرب الكبرى بكاملها على أساس أن يكون الإرهاب عسكرياً قادراً على مواجهة القوات المسلحة السورية والمجتمع السوري بكامله لذاكان لابد من أسلحة الرصد المتطور والصواريخ الحرارية والمدفعيات بكل مستوياتها وكذلك أسلحة القنص إضافة إلى صياغة العمل العسكري للإرهاب بشروط ومواصفات هي ذاتها المتوفرة في جيش الكيان الإسرائيلي وهذا يتطلب أيضاً إيجاد تنسيق عسكري على مستوى الأركانات والقيادة في كل من أميركا وفرنسا وبريطانيا وتركيا وإسرائيل مع المجموعات الإرهابية التي تقاتل على الأرض، والمعنى هنا صار واضحاً فسورية لاتقاتل قوى مبعثرة أو عصابات مسلحة فحسب ولكنها تقاتل ضد المشروع الاستعماري الصهيوني الحديث.
وحينما يتطلب الموقف العسكري حضور القوى الصهيونية الغربية بذاتها أي بجنودها وقادتها وخبرائها كان ذلك يحصل مباشرة ولقد رأينا نموذجاً لهذه الفكرة عبر قواعدهم في تركيا وحضورهم العسكري في الأردن وفتح جغرافية الأرض السورية المحتلة عسكرياً لكي تؤدي هذا الدور الشريك والفاعل والمباشر، إن إطلاق الفكرة بأن سورية تواجه حرباً كونية لايقوم على الانطباع المعنوي أوالتقدير الذاتي فالغرب وإسرائيل كلاهما موجود في الميدان بالعناصر العسكرية والأسلحة الفتاكة وقيادة المعارك الإرهابية، وهذا المشهد هو الذي الآن يدفع بالأمور إلى حقائقها ومصادرها الأصلية ومعلوم أن أنظمة مثل آل ثاني وآل سعود وآل خليفة والنظام الأردني والنظام المصري إن هي إلا أدوات تنفيذية من بعضها يتدفق المال الحرام ومن بعضها الآخر تتدفق التسهيلات الحرام وأما الخط الثاني الذي أدخل إلى ميدان المواجهة فهو بإطلاق موجات عسكرية من الادعاءات ومنها اتهام سورية باستخدام السلاح الكيماوي والقنابل العنقودية وتنفيذ المجازر ضد المدنيين، وواضح أن هذا الخط لم يكن موجوداً من قبل ولكن أحوال الميدان والتحولات التي تجري فيه بفعل المواجهة السورية، ولاسيما عبر الشرطيين الاجتماعي والعسكري، هذه التحولات دفعت بالقوى الغازية إلى منطقة الرعب والاضطراب ومعروف منهجياً أن مقدمات التحول هي فواصل تمهيدية لإنجاز التحول بكامله فيما بعدوهذا مادفع بالغرب وإسرائيل إلى مثل هذه الاتهامات الكاذبة والظالمة والمواجهة في أرض الواقع تخبرنا بكثيرمن العناوين والتفاصيل عن هذا التوجه الغربي الصهيوني الذي ينقل العدوان على سورية إلى مستوى أن سورية دولة عظمى وخطيرة.