تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الجبهة السياسية السورية ومتغيرات التوازن

شؤون سياسية
الخميس8-11-2012
 بقلم الدكتور فايز عز الدين

من طبيعة العقل الموضوعي في التحليل, والتركيب أن لا يستغرب وقوع الأزمات الداخلية في البلد المعني, أو الخارجية إذا كان هذا البلد يحتل – بحكم جغرافيته الطبيعية – مكانة جيو استراتيجية تتقاطع عليها مصالح إقليمية,

أو دولية تحمل مشاريع متنوعة ترتبط بالقوى المتحالفة عليه من أجل تحقيق الغايات الاستعمارية القديمة والمتجددة من منظور أن النظام الليبرالي العالمي المتوحش كان ولا يزال تحت السيطرة الصهيو أميركية ولا سيما بعد الحرب الكونية الثانية 1939-1945 وحتى اليوم.‏

ووفق هذه الصورة لم يعد التحليل في المسألة السورية عصياً بأن الخط العروبي الذي ما انفكّت سورية تتمسك به وتعمل في الدوائر المحلية, والإقليمية, والدولية على جعله محرك الذهنية العقائدية, والسياسية بآن معاً, وعلى قاعدته تبني القرارات السيادية, والاستقلالية بآفاق قومية عربية لا تتنازل عن حق العرب في التحرر الوطني والسياسي وإنهاء منظومات سايكس - بيكو في العقل العربي من المحيط إلى الخليج, وإبراز قضايا الأمة العربية في استرجاع الحقوق المغتصبة, وفي أولوياتها حق الدولة الواحدة الموحدة أسوة بأمم الأرض الموجودة على كوكبنا الأرضي والوصول إلى الدولة الأمة ،والأمة الدولة.‏

ولو بحثنا كيف عمل الاستعمار العالمي بالطابع الصهيو إمبريالي له منذ مؤتمر كامبل بنرمان في بداية القرن الماضي ( 1905) حتى اللحظة التي أصبحنا فيها لرأينا كيف أنهم خططوا أولاً لكيلا يظهر مفهوم الأمة العربية عند العرب بعد أن يتم تحررهم من العثمانيين الذي كانت ملامحه بادية عبر مشروع النهضة العربية آنذاك. ثانياً: أن لا يسمح للعرب باستعادة وحدتهم القومية أيضاً وقدموا وعد بلفور 1917, وَقَبْلَهُ معاهدة بطرسبرغ التي صاغوها ثانية بسايكس - بيكو 1917.‏

واستعجلوا قرارات عصبة الأمم المتحدة بالانتداب على وطن العرب وعدم تركهم يتولون بناء سلطتهم – حتى القطرية على خارطة سايكس - بيكو – بالإدارة والإرادة الوطنية الخالصة وفي قيام السلطة سعت القوى المنتدبة على تخريج مفاهيم الفئة الحاكمة المرتبطة بالدولة المنْتَدَبَة. وأخيراً ترويض ذهنية الحكام الذين وُضِعُوا على دول سايكس العربية على أن مرجعيتهم دوماً دولهم المنتدبة عليهم وليسوا إلا بيادق عندها تحركهم كيف تشاء, ومن هذا الممر عَبَرَتْ الصهيونية إلى فلسطين العربية والغطاء مأمون من الجامعة العربية ومن حكّام العرب مع أن الحال – حتى في النكبة – بالنسبة لسورية كان أفضل نسبياً مما كان عليه حال المحيط العربي لفلسطين آنذاك (1948). وبعد أن بدأت الاستقلالات العربية على أعقاب الحرب العالمية الثانية وسقوط النظام الكولونيالي العالمي رَصَدَتْ القوى الصهيو إمبريالية كامل طاقاتها حتى لاتخرج من سورية الطبيعية, وفي الحد الأدنى سورية القطر المحدد جغرافياً ودولتيّاً.‏

وقد وضعوا الاستراتيجيات وشكّلوا التحالفات, وقدّموا المشاريع الإمبريالية على هذا الأساس منها ( حلف بغداد و مشروع إيزنهاور) كل ذلك كي يتم ضمان أمن الدولة العنصرية إسرائيل المعتمدة في الغرب الإمبريالي. وإخضاع سورية كان ولايزال هو اللبنة الأهم في تأمين الكيان الصهيوني والتمكين له في الشرق العربي. والباحث المتتبع لتطورات السياسة الاميركية والصهيونية والأوروبية عبر عقود ستة مضت سيتوصل إلى حقائق لا تحتاج إلى الكثير من اعمال حتى تنضج؛ في طليعتها أنهم قد نجحوا في عدم تمكين مفهوم الأمة العربية من الوصول لأهدافه في قيام وحدة العرب.‏

ونجحوا في جعل جامعة العرب تعمل صهيونياً، وقادة الكثير من دول العرب يرتبطون بأميركا وإسرائيل أكثر من ارتباطهم بأمتهم, وأوطانهم, وشعبهم. والغريب أن رئيسة وزراء إسرائيل السابقة قد صرّحت بأنها كانت على علاقة حميمة مع قادةٍ عرب أهّلتها لأن تنام معهم, وشرّع لها الحاخامات اليهود ما فعلته. واليوم نرى التطلعات الجيواستراتيجية لهؤلاء العرب – وبما فيهم النظم التي نَتَجَتْ عن الربيع العربي الخالي من الزهور والخضرة – متطابقة مع خطة مع تطلعات دولة العدوان إسرائيل. ومن عجب العجاب أن رئيس كيان الصهاينة (بيريز ) يتألّم كثيراً ولا ينام شفقة على أطفال سورية, وكأنه لم يشردْهم من جولانهم, ولم يقتلهم في مدارسهم, ولم يمْنعْهم من الاستقلال والتحرر والحرية. نعم بيريز الصهيوني مع العرب المستتبعين يبكون على أطفال سورية ولا تغمض لهم عين, ولكنهم جميعاً لا يبحثون عن سبب بكاء الطفل السوري, ولا يريدون تحديد السبب.وكما نعر في الفكر الإيديولوجي العقائدي, والسياسي التعبوي أن كل عمل وطني مخلص هو عمل سياسي مخلص ولا يصح العكس إذ إننا نرى سياساتٍ وأشخاصاً رموزاً لها لا يهتمون بالوطن ارتباطاً بمشاريع سياسية في الدوائر الصهيو - إمبريالية ولا يهمهم مصير الوطن.‏

وما بين الوطني والسياسي اليوم نقرأ في المشهد السوري لنرى ضرورات متلازمة على الدولة والشعب أن ينهضا بها معاً وتتمثل في تحريك العجلة الوطنية التي تعكس الهدف الوطني الجامع, والبرامج الوطنية الجامعة, واستعادة الجبهة الشعبية والسياسية والوطنية على روحية جديدة, وتوافقات ضمن الائتلاف السوري الجديد على عقد اجتماعي وطني سياسي متجدد. وهنا لا بد من الاعتماد على خلق حالة جديدة من الحراك الوطني تؤكد على أن أميركا شكّلت مجموعات الموت المسلّحة ليس من أجل تحرير إفغانستان من السوفييت – آنذاك – من أجل تدمير الدول العربية التي ملكت القوة وعلى رأسها سورية, وأكثر من يتفهّم اليوم هذه الحقيقة هم الروس والصينيون والعرب لا يستطيعون تفهّمها. وها نحن نشهد مبادرات لرئيس وزراء روسيا الاتحادية – لافروف – ودعم الصين ما يعكس الصورة الاستراتيجية التي يخشاها أصدقاء سورية الحقيقيون من مشروع تدمير الدولة السورية, وتداعياته على الوضع الجيواستراتيجي الدولي ومن خلق روح عالمية تكفيرية لا يمكن ضبطها عبر علاقات القوى العالمية والتوازن الدولي المختل. وبشيوع هذه الروح التكفيرية يمكن أن يصل العالم برمته إلى الفوضى التدميرية, والأمروصهاينة يريدون ذلك لأن خراب العالم أهْوَنُ عليهم من حصار كيانهم بدولةٍ سوريةٍ قويةٍ, وتحالفاتٍ إقليميةٍ بمنهج للمقاومةِ يرفض المساومةَ, ويُعلي دوماً راية الأمةِ المستقلة.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية