تعتبر مشكلة اللجوء الفلسطيني نتاجاً للعقيدة الصهيونية السياسية التي وضعت نصب عينيها إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين عن طريق استعمار الأرض الفلسطينية استعماراً استيطانياً، ولن يتم هذا الاستيطان إلا بطرد الفلسطينيين من أرضهم، استعمار أدى لظهور مشكلة اللاجئين نتيجة التهجير القسري الذي كان مضمراً في هذه العقيدة وشروعها بشكل مخطط مسبقاً لتنفيذ هذا المشروع، لذلك فإن مشكلة اللجوء هي نتاج نصف قرن من التخطيط الإمبريالي الصهيوني المحكم لتنفيذ مشروعها.
حاولت إسرائيل الاحتيال والتلاعب على مشكلة اللاجئين من خلال تحميل مسؤولية حل هذه المسألة للأطراف العربية وإنكار إسرائيل مسؤوليتها في نشأة مشكلة اللاجئين، وهو ما صرح به «إسحق رابين» قبل توقيع اتفاق القاهرة في 4-5-1994، عندما سأله الصحافيون: هل «إسرائيل» مستعدة للسماح بعودة اللاجئين الفلسطينيين؟ أجاب بكل صفاقة ووقاحة (إن مسؤولية اللاجئين يتحملها أولئك الذين شنوا حرباً عام 1948، ومنذ وجود «إسرائيل» هناك مشكلة لاجئي اليهود من البلاد العربية والإسلامية حيث استوعبتهم «إسرائيل»، وهم حوالي 600 ألف يهودي تركوا ممتلكاتهم وراءهم وإنه يمكن بحث قضية اللاجئين بعد التوصل إلى حل للصراع العربي «الإسرائيلي» يقوم على شطب حق العودة المنصوص عليه في قرار 194 الصادر في 11-12-1948).
وتتلخص الرؤية «الإسرائيلية» لحل قضية اللاجئين بالتالي بـ: -عدم عودة اللاجئين إلا أعداد بسيطة من خلال لم الشمل. - توطين اللاجئين أو ترحيلهم. - تعويض اللاجئين بمبالغ ضئيلة ويمول هذا المشروع من قبل الدول الغربية ودول النفط العربي.
أقلقت مشكلة اللجوء العديد من الأطراف الإسرائيلية التي أطلقت العديد من الأفكار والمقترحات والممارسات التي تنطوي على عنصرية شديدة، وتعكس درجة الخوف من بقائها بلا حل، أو حلها بعودتهم إلى ديارهم التي شردوا منها، لذلك ابتزت «إسرائيل» الدول العربية بطرحها مشكلة يهود الدول العربية، والعمل على توطين الفلسطينيين المهجرين عن طريق العديد من المشاريع مثل: مشروع ييغال ألون بعد عام 1967 الذي دعا إلى توطين اللاجئين في سيناء، كما اقترح أبا إيبان 1968 التوطين في أماكن اللجوء بمساعدة دولية وإقليمية، والدعوة إلى الوطن البديل في الأردن، وهي فكرة طرحها بن غوريون وتضمنها مشروع ألون 1968، وتمسك بها شارون بهدف السيطرة على الضفة الغربية، وشُنت حرب 82 كمحاولة لتحقيق هذه الفكرة، ومن ذلك أيضاً السعي المحموم لإزالة المخيمات واستهدافها في كل الحروب.
كما اتبعت «إسرائيل» العديد من التكتيكات لمواجهة مشكلة اللاجئين: الضم الزاحف (دايان)، تشجيع الجذب الاقتصادي والرحيل الإرادي (العملية الليبية (1953 – 1958)، المساومات مع الأطراف الإقليمية والدولية (التوطين في العراق)، التأهيل والتذويب، المذابح (1982)، استدراج الطرف الفلسطيني لتقديم تنازلات بوهم تشجيع مبادرات السلام، حيث أجمعت كل المشاريع الإسرائيلية المقترحة على منع عودة اللاجئين، وعلى توطينهم في البلدان المضيفة لهم أو في بلدان أخرى ودائماً بتمويل دولي أو عربي، فالعقلية الصهيونية تؤكد البقاء العرقي وتعمل جاهدة بعقلية التطهير العرقي والتي تنادي بعملية تطهيرية ضد الشعب الفلسطيني بهدف السيطرة على الضفة الغربية واستكمال تهويدها.
لقد تمسك الشعب الفلسطيني بحقه بالعودة ورفض أي شكل من أشكال التوطين، وفق القرار الأممي 194 لبعده القانوني غير القابل للنقض أو التشكيك وأنه حق فردي وجماعي غير قابل للتجزئة ولا يسقط بالتقادم ويشكل اعترافاً من المجتمع الدولي بحق اللاجئين في العودة إلى ديارهم التي شردوا منها، وإصرارهم على العودة للعيش في وطنهم، وقد تأسس هذا الحق على ثلاثة مرتكزات: 1- للفلسطينيين حقوق طبيعية لا ينازعهم فيها أحد، تتمثل في حق العيش في وطن حر والتمتع بالسيادة الكاملة عليه. 2- لهم حقوق محمية ومصونة قانونياً، متضمنة في العرف الدولي، وعدد من الاتفاقيات والإعلانات الدولية، ومبادئ الأمم المتحدة وقرارات هيئاتها، وخصوصاً، قرار 194. 3- إرادة الشعب الفلسطيني وإصراره على حقه في العودة، ورفض أي حلول تنتقص من هذا الحق.
استمر كفاح الشعب الفلسطيني من أجل التحرير والعودة، انطلاقاً من إيمان الفلسطينيين منذ لنكبة، أن الرد عليها والتغلب على أثارها، لن يكون إلا باستعادة الأرض المغتصبة، وبعودة أولئك الذين اضطروا لتركها بالقوة، وإذا كان بعضهم، في مجرى الصراع وتطوره، رأى إمكانية قيام دولة مستقلة على جزء من أرض وطنهم ضمن الحدود التاريخية لها، غير أنهم جميعاً لم يسقطوا حق العودة باعتبار هذا الإسقاط، فيما لو حدث، يعني التسليم النهائي لإسرائيل بحقها في الوجود على حسابهم.
رغم تمسك الفلسطينيين بحقهم في العودة، وتضحياتهم الجسيمة في سبيل تحقيقه، لم يتمكنوا من إعادة اللاجئين إلى ديارهم، ولكن نضالهم منع «إسرائيل» من شطب هذه القضية عن الأجندة الدولية، كما لم تنجح محاولاتها لإعادة توطينهم خارج ديارهم التي شردوا منها، وإجهاض أي محاولة للانتقاص من هذا الحق عبر التوطين.