تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


التعويض والعودة حقان متلازمان لا يلغي أحدهما الآخر

قاعدة الحدث
الخميس8-11-2012
 إعداد: منهل إبراهيم

حق العودة للغائب عن أرضه بفعل الاحتلال حق أصيل من حقوق الإنسان في كل مكان وزمان ولا يمكن أن يعوض عن تراب الوطن أغلى كنوز الدنيا حيث يربط بين الإنسان وبين الأرض التي اضطر قسراً إلى مغادرتها انتماء لا يمكن إلغاؤه مهما تقادم الزمن.

إن النص القانوني المباشر الذي أقر الحق بالعودة والتعويض للشعب الفلسطيني كان القرار 194 الذي صدر عن الجمعية العامة في 11/12/1948, أي في وقت متزامن مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في10/12/1948.‏

ويتسم القرار 194 بأهمية بالغة ومن أهم بنوده أنه تناول حق العودة مباشرة للشعب الفلسطيني وأقر له به كمجموعة بشرية وليس كمجرد أفراد وقد صدر أساساً عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بناء لتقرير المندوب الخاص للجمعية (الكونت برنادوت) الذي أكد أحقية الشعب الفلسطيني المضطهد في العودة إلى بلاده والتعويض عن الأضرار التي لحقت به، وهنا تجدر الإشارة أيضاً إلى أن الحق في العودة لا ينحصر بحق اقتصادي بديل يتناول الممتلكات وحسب, بل انه حق قانوني وسياسي.‏

وتستمر الفقرة رقم 11في القرار لتقول بوجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم، ويجب الإشارة إلى أن حق التعويض عائد إلى اللاجئين أنفسهم لكي يقرروه وهو بذلك شأن شخصي لا يرتقي إلى درجة الإلزام الدولي الذاتي.‏

وحتى يستطيع اللاجئون أن يقرّروا أو يختاروا كما جاء في القرار 194 فإن الإقرار بحق العودة هو المطلوب حتى يصبح ثمة مجال للاختيار، أما إذا أنكر على اللاجئين الفلسطينيين حق العودة فأي معنى يبقى لهذا الاختيار بالأساس؟.‏

واستناداً لما تقدم فإن الحق بالتعويض لا يمكن أن يكون بديلاً حكمياً من الحق بالعودة لاختلاف الدرجة القانونية والإلزام، فالمفروض أولاً أن يكون حق العودة مفتوحاً للجميع ويمكن بعد ذلك لصاحب العلاقة المؤهل لهذه العودة أن يقرر العودة أم التعويض، وبذلك فإن التعويض إذا ورد سيكون من حق صاحب العلاقة أن يختاره, أما حق العودة فإن القانون الدولي ذاته يعترف له به من خلال النصوص الدولية.‏

أما مسألة التعويض التي وردت في هذا القرار فيُفهم منها أن التعويض يمكن أن يكون أيضاً ذا صفة جماعية وليست فردية، بمعنى أنه يمكن التعويض على الشعب الفلسطيني اللاجئ وعن معاناته (حتى وإن كان هذا التعويض جزئياً)، أما إذا كان فردياً ومتروكاً لكل شخص على حدة فهذا يعني بعثرة حق العودة من خلال من يريد ومن لا يريد العودة، وتلافياً لهذا الأمر لا بد من الرجوع إلى فلسطينيي الشتات كشعب ذي هوية واحدة وقضية واحدة ومعاناة واحدة حتى إذا أثبتت أكثريته ميلاً إلى التعويض أُقِرّ لها ذلك من دون أن يصار إلى إنكار حق العودة لأنه حق من حقوق الإنسان التي لا يساوم عليها.‏

واستناداً لذلك لا بد من التأكيد أن كل قرار إقليمي أو دولي يقضي بالحق في التعويض بدلاً من الحق في العودة يخالف أحكام القانون الدولي نظراً لتفاوت المرتبة القانونية بينهما من جهة وإنكار حق أساسي من جهة ثانية, واختيار التعويض هذا من دون سؤال أصحاب العلاقة رأيهم في الموضوع من جهة ثالثة، أما القول بضيق المكان أو الاندماج المطلوب كلياً أو بزوال معالم القرى التي تركها اللاجئون فإنه مبدئياً غير مبرّر في القانون الدولي لأنه يشكل تفاصيل ثانوية لا تستند إلى أي مشروعية وتتعارض مع حق مثبت ومعترف به دولياً ولا يجوز إنكاره، هذا فضلاً عن مجافاة العدالة والإنصاف إذا ما كانت إحدى اللجان هي التي تقرر مصير اللاجئين أنفسهم وتقدم حق التعويض بديلاً عن حق العودة وهذا ما جاء في المادة 28 من القرار 194.‏

ويلاحظ في الفقرة الثالثة من المادة 11 من القرار 194 أن الترجمة العربية المعتمدة لهذه الجملة هي ترجمة خاطئة، فالنص باللغة الانكليزية يعني أن التعويض يجب أن يدفع أيضاً للخسارة أو الضرر اللاحق بالممتلكات، بينما الترجمة ذكرت أن التعويض يدفع عن كل مفقود أو مصاب بضرر وهذا يغيّر المعنى تماماً، فالقصد الأساسي من القرار باللغة الانكليزية هو أن التعويض يقتضي دفعه في حالتين عن الممتلكات للذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم، وعن الممتلكات التي يفقدها أصحابها والتي تكون مصابة بضرر.‏

وإذا كان التعويض في نظر البعض يحل محل حق العودة بالنسبة للحالة الأولى فإن هذا التعويض يأتي مع حق العودة في الحالة الثانية، فالتعويض مقترح عن الممتلكات في الحالتين والمهم أن يتم الاعتراف بحق العودة حتى تصبح ملكية هذه الممتلكات ثابتة أولاً ومن ثم يمكن بحث التعويض عنها ثانياً، والتعويض في الحالتين ولاسيما الثانية لا يغني عن الإقرار بحق العودة لأن هذا الحق يحمل معه إثباتاً للملكية، ذلك لأن حق العودة يتضمن الإقرار بعودة اللاجئين إلى بيوتهم أي إلى حيث يملكون, وهناك يحصل التعويض عن هذه الممتلكات المفقودة أو المتضررة كما جاء في المادة 31.‏

أما إذا لم يُعترف لهؤلاء بحق العودة فكيف يمكن لهم أن يثبتوا ملكيتهم؟ بسندات ملكية لاتزال محفوظة لديهم، وماذا لو أن بعضهم لم يعد يحتفظ بهذه السندات لأنه اضطر إلى مغادرة منزله بظروف غير عادية؟ عندئذ يعوّض على الجميع بمبلغ موحّد سواء كان رمزياً أو حقيقياً، إذن يصبح الموضوع غير متعلق بالتعويض الموازي للضرر، وهذا يعني أن التعويض مطلوب لإلغاء أو بالأحرى بيع حق العودة، وهذا الحق, كما قدّمنا, هو حق قانوني جماعي مدني سياسي ولا يجوز التخلي عنه ومصادرته في وجه جيل آخر.‏

وعلى هذا الأساس يجب أن يصار إلى اعتماد النص الانكليزي للفقرة 11 من القرار 194 والتخلي عن ترجمتها العربية الرسمية, ويجب, تبعاً لذلك أن يصار إلى المطالبة بحق العودة والتعويض معاً.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية