تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


مدارس أميركية لتأهيل الإرهابيين

شؤون سياسية
الثلاثاء 19-11-2013
عبد الرحمن غنيم

لم نفاجأ بمضمون التقرير المستقل الذي نشره موقع « غلوبال ريسيرش « الكندي تحت عنوان « التخلي عن الأخلاقيات - الاحتراف الطبّي والتجاوزات بحق المعتقلين في الحرب على الإرهاب « .

وهو يتحدث عن دور الأطباء وغيرهم من العاملين في مجال الصحة في التجاوزات وسوء معاملة المعتقلين في سجون البنتاغون ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية منتهكين بذلك واجباتهم الأخلاقية . لكننا نعتقد أن التقرير تطرق إلى جانب يعتبر ثانوياً من المشكلة , ولم يتطرق إلى جوهر أو أبعاد المشكلة .‏

لقد نظر إلى سجن غوانتانامو والسجون السرية الأمريكية في أوروبا على أنها جزء من الترتيبات الأمريكية للحرب على الإرهاب . وما زال الناس حتى الآن ينظرون إلى هذه السجون على هذا الأساس , منتقدين بشكل خاص عدم إخضاع المعتقلين فيها للمحاكمة , وما يقال عن أساليب التعذيب التي تمارس ضدّ النزلاء . لكن هذه النظرة تحتاج بالتأكيد إلى إعادة النظر . وتزداد الحاجة إلى ذلك في ضوء الأخبار القائلة بوجود مفاوضات بين الولايات المتحدة واليمن لنقل سجن غوانتانامو إلى اليمن , وهو إجراءٌ ينطوي في حال تحققه على خطورة خاصة قد لا يكون الجانب اليمني منتبهاً إلى أبعادها .‏

ومن أجل فهم أبعاد المشكلة , من المناسب الانتباه إلى أن السنوات القليلة الماضية شهدت سلسلة من الوقائع الغريبة التي تستدعي التفكير والتأمل حول ما يحدث في السجون الأمريكية . ومن هذه الوقائع :‏

1 - تعلن واشنطن من حين إلى آخر عن قرارها بإطلاق سراح بعض معتقلي غوانتانامو . ولكنها بدلاً من الإجراء المنطقي القائل بتسليمهم إلى حكومات الدول التي يحملون جنسيتها , تعلن عن مزاودة دولية للراغبين في استقبال « المُحرّرين « وضمان حمايتهم وتأمين متطلبات حياتهم !! وغالباً ما يرسو المزاد على بريطانيا أو قطر . وهذه ظاهرة غريبة في حدّ ذاتها , لأنها تعني أن أميركا التي يفترض أنها كانت تعتقل هؤلاء وتتفنن في تعذيبهم تحوّلت فجأة إلى أم رؤوم لهم , ويهمها أيضاً أن يتم احتضانهم من قبل أمهات رؤومات !! .‏

2 - تنشرُ بين الحين والحين أنباء عن سجون سرّية أمريكية في أوروبا , وعن كون هذه السجون تغصّ بالإرهابيين . لكنه لا أحد يعلم شيئاً عن هويّة نزلاء هذه السجون , ولا من أين جرى جلبهم , ولا معلومات تتعلق بمصائرهم . ويبقى السؤال المحيّر والملغز يدور حول السبب في تولّي الأمريكيين حصراً مهمة سَجْن هؤلاء بدلاً من أن تتولاهُ أجهزة الأمن في الدول المعنية , على خلفية التعاون بين الأجهزة الأمنية المختلفة في محاربة الإرهاب . وأقصى ما يمكن أن نفهمه أن السجون السرية الأمريكية تتواجدُ ضمن القواعد العسكرية الأمريكية في أوروبا , وأن لا ولاية لأحد تمكنه من معرفة ما الذي يحدث في هذه السجون . فكل شيء محاطٌ بالسرية المطلقة .‏

3 - نطالعُ بين الحين والآخر أنباءً عن التعذيب في سجن غوانتانامو والسجون الأخرى . لكن هذه الأخبار لا تتضمن مادة فلمية حديثة تدلُّ على دخول محرّريها إلى تلك السجون ومشاهدتهم ما يحدث . وهذا يرجّح أنّ هذه الأخبار مقصودة للزعم بأن المعتقلين هم موضع التعذيب كإرهابيين , وأن لا شيء آخر خلاف ذلك يحدث في تلك السجون .‏

تكتسبُ هذه الملاحظات أهمية خاصة في ضوء الحقيقة القائلة بأن العديد من خريجي غوانتانامو لم يقتصر دورهم بعد « إطلاق سراحهم « على العودة إلى ممارسة الإرهاب , ولكنهم صاروا قادة لتشكيلات إرهابية كبيرة تابعة للقاعدة , بل ووصل بعضهم إلى مواقع سياسية هامة . وقد فعلوا ذلك - كما حصل في ليبيا -معبرين عن تبعية للأمريكيين والناتو وبعض دول مجلس التعاون الخليجي . فالفرضية المنطقية القائلة بأن من أطلق سراحهم كانوا متورطين وتابوا وأنابوا فاستحقوا الحرية , تنهار أمام الواقع القائل بأن بعضهم تخرجوا من غوانتانامو ليتحولوا إلى قادة للإرهاب مزوّدين بمؤهلات عالية تمكنهم من أداء هذا الدور .‏

هذه الحقيقة تجعلنا نتساءل عن حقيقة الأساليب التي جرى اتباعها في غوانتانامو , وحقيقة ما يحصل في السجون الأمريكية في أوروبا , مع ملاحظة الفارق بين ظروف اعتقال نزلاء غوانتانامو وبين الغموض والإبهام المحيطين بنزلاء السجون الأمريكية في أوروبا .‏

من المؤكد أن الأمريكيين طبّقوا على معتقلي غوانتانامو أساليب « غسيل المخ « , فمنهم من تحطمت شخصيته بين أيديهم , ومنهم من تجاوب معهم وتمت إعادة برمجته , ومنهم من ينتظر . وبالطبع , فإن هذه العملية تحتاج إلى خبراء في الحرب النفسية . كما تتطلب إشرافاً صحيّاً على الخاضعين لمثل هذه التجربة التي لا تخلو في بعض مراحلها من ممارسة التعذيب الجسدي . ومن يدري لعل جزءاً من برنامج التأهيل تمثل في اعتماد شيوخ يمارسون المناصحة بالأسلوب المعتمد من قبل المخابرات السعودية في احتواء العناصر المتهمة بالإفساد في الأرض . وهي مناصحة لا تهدف إلى منعهم من الكفّ عن ممارسة الإرهاب , وإنما ترمي إلى جعلهم يوجهون إرهابهم في المنحى المطلوب . فلقد بات واضحاً الآن كل الوضوح أن ما يهم الولايات المتحدة ومن وظفتهم في خدمتها لرعاية الإرهاب , هو توظيف الإرهاب ضدّ أطراف معينة في العالم العربي والإسلامي , والابتعاد عن ممارسة هذا الإرهاب ضد الأمريكيين والصهاينة والرجعيين العرب . ولعل ما يحدث في السجون السعودية من إغواء للمعتقلين المتهمين بجنايات قد تصل عقوبتها إلى الإعدام ومنها الإفساد - وفق الفهم السعودي - ودفع هؤلاء إلى ممارسة الإرهاب ضد سورية , ما يدلُّ على أن السجون السعودية تستغل بالتوازي مع السجون الأمريكية في مهمة تأهيل الإرهابيين .‏

وإذا نحن وضعنا في الاعتبار الحقيقة القائلة بأن العديد من خريجي غوانتانامو لعبوا أدواراً قيادية في خدمة الولايات المتحدة والناتو , ومن خلال تنظيم القاعدة , بدا واضحاً أن برامج التأهيل الأمريكية لا تقف عند حدود التأثير على الاتجاه السياسي والولاء , وإنما تتضمن أيضاً إعداد كوادر قيادية قادرة على إدارة مجموعات كبيرة من العصابات الإرهابية . وإذا كنا لا نستطيع إصدار حكم مماثل على خريجي السجون السرية الأمريكية الأخرى , فإن سبب ذلك هو التكتم الكامل حول هويات نزلاء هذه السجون , ومصائرهم . والحقيقة أن الفرضية الأقوى بالنسبة لنا أن هذه ليست سجوناً , وإنما هي منعزلات بالغة السرية ضمن المعسكرات والقواعد الأمريكية , وما يحدث فيها يختلف غالباً عمّا واجهه نزلاء غوانتانامو ممّن جرى اعتقالهم خلال الحرب , وخاصة في أفغانستان . فنزلاء السجون السرية المزعومة الأخرى قد يكونون كوادر من شباب العالم العربي والإسلامي يجري استقطابها من قبل الأمريكيين مباشرة أو بالتعاون مع أجهزة استخبارات أخرى , وترسل إلى تلك المنعزلات ليجري تأهيلها تدريباً وتعليماً وتأهيلاً نفسياً إلى المدى الذي يؤهلها لأداء أدوار قيادية في صفوف الإرهابيين .‏

وباختصار : إن سجن غوانتانامو والسجون السرية الأمريكية الأخرى في أوروبا ليست سوى مدارس لتأهيل وتدريب وإعداد الإرهابيين , وخاصة على المستوى القيادي . وهذا ما يضمن لأميركا التحكم بتشكيلات القاعدة من خلال التحكم بالقيادات العليا والوسطى وضمان ولائها وتنفيذها للتعليمات المعطاة إليها . ومن الطبيعي أن تحاول التغطية على هذا الدور , وما من سبيل إلى ذلك سوى الادّعاء بأن من يدخلون هذه المدارس ويخرجون منها , هم سجناء يودعون السجون , بل وإشاعة الأخبار من حين إلى آخر حول التعذيب الذي يمارس ضدّهم , بغرض ذرّ الرماد في العيون . فإحلال كلمة « سجن « محل كلمة « مدرسة « من شأنه أن يقلب الفهم عمّا يحدث رأساً على عقب .‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية