تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


بضع قطرات تكفي..

الثلاثاء 19-11-2013
سعد القاسم

حين سألتني طفلة صغيرة بتعجب: هل ليوناردودافنشي ومايكل أنجلوأسماء لأشخاص حقيقيين, عجبت بدوري لمعرفتها بهما, ولكن المفاجأة كانت في أنها لا تعرفهما كفنانين عملاقين، وإنما كأسماء لشخصيات رسوم متحركة تحكي عن أبطال النينجا (الضفادع)!..

في الواقع لا أملك تفسيراً للسبب الذي دعا منتجي تلك الرسوم لإطلاق أسماء لامعة في تاريخ الفن التشكيلي العالمي على شخصيات كرتونية لكائنات غير إنسانية، لكني لا أرى هذا الأمر منفصلاً عن التحولات التي طالت قسماً كبيراً من الأجيال المعاصرة في علاقتها مع الثقافة الإنسانية، وتراثها الإبداعي، ومبدعيها، وعلى سبيل المثال كان زوار فرنسا, وباريس خاصة، على مدار عقود طويلة، يصطحبون معهم حين عودتهم إلى بلادهم مشاهداتهم عن المدينة ومعالمها التاريخية والأثرية والثقافية، وعن متحف اللوفر, والجيوكندا، ولوحات رمبرانت وروبنز ودافيد ودولاكروا وجيريكووميليت وانغر وغويا وسواهم من الأسماء التي صنعت تاريخ الفن العالمي، وارتبطت بالذاكرة باسم متحف العاصمة الفرنسية. أما اليوم فصار مألوفا أن يتحدث زوار باريس عن شيء آخر مختلف تماما، مهملين كل ما كان يثير اهتمام أسلافهم, اعني (ديزني لاند) مدينة التسلية التي صارت تجتذب من الزوار المشابهين لنا أكثر مما يجتذبهم أي شيء آخر في مدينة وصفها أحد رواد النهضة العربية يوماً بعاصمة النور.‏‏

هذا الواقع قد يكون نتيجة التحولات التي أشير إليها قبل قليل، أو نتيجة تراجع الدور الثقافي لدول بذاتها، وهو في كل الأحوال نتيجة التحولات التي أنتجتها العولمة بمفهومها الأكثر صراحة, وواقعها الأكثر قسوة، حين قدمت نفسها أساساً كفعل انتقال للسلع والمفاهيم من المركز الأقوى إلى المراكز الأضعف، وغالبا دون إمكانية عملية لانتقال معاكس... ونتيجة لهذا الأمر الواقع يتضاءل حضور ثقافات, وتقف ثقافات على حافة التلاشي، ويدخل كثير منها في نفق الاندثار.... وهو ما يفسر صيحة التحذير التي أطلقتها منظمة (اليونسكو) قبل بضعة أعوام للحفاظ على (تنوعنا الخلاق)..‏‏

تنوعنا الثقافي الحضاري الخلاق لم يتعرض فقط لخطر المنافسة مع الحضارات الأحدث، والأقوى, وإنما تعرض كذلك لعمليات التدمير المتعمد، كما حدث في الماضي لحضارات أميركا الشمالية على أيدي المهاجرين الأوروبيين, وكما حدث في أفغانستان على يد الميليشيات المسلحة، المدعومة من مراكز القرار الأميركي، بتدمير تمثالي بوذا وسرقة وتهريب الآثار الأفغانية, وكما حصل من تزييف للتراث الفلسطيني، وتعتيم على الإبداع المعاصر للشعب الفلسطيني بواسطة كيان الاحتلال الاستيطاني. وكما حدث في العراق بعد الغزو الأميركي حيث نهبت بشكل منظم محتويات متحف بغداد الوطني، وسرقت معظم أعمال الفن الحديث والمعاصر من مركز الفنون (سبعة آلاف من أصل ثمانية آلاف). وقسم كبير منها يعود إلى أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي.وقد تناقلت وسائل الإعلام بعد ذلك بوقت قصير خبر إقامة متحف في (إسرائيل) يضم ألف قطعة من الآثار العراقية المسروقة..‏‏

إن هذه الوقائع, وسواها، تتيح المجال واسعاً لتزييف تاريخ الثقافة الإنسانية، وحجب الكثير من تجلياتها، بحيث لا يقدم للأجيال القادمة سوى النزر اليسير المتناسب مع مفاهيم المجتمع الاستهلاكي، بأبعاده الاقتصادية والاجتماعية www.facebook.com/saad.alkassem ">والثقافية..‏‏

www.facebook.com/saad.alkassem ‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية