في تقرير للأمم المتحدة للتنمية الإنسانية لعام 1993 يشير إلى أن المشاركة ليست مصطلحاً جديداً، فهي وُجدت كمصطلح منذ الستينات. ولكن في ذلك الوقت كانت المشاركة تشير فقط إلى الناس الذين ينخرطون في مشروع معين أو برنامج محدد. أما في التسعينات فقد أصبحت المشاركة تعني جزءاً من استراتيجية تنموية واسعة. والهدف هو أن الناس يصبح لديهم إمكانية دائمة في الوصول إلى السلطة وإلى اتخاذ القرارات، وتمكينهم من الحصول على فرص واسعة لأنفسهم . المشاركة إذاً هي غاية ووسيلة في آن واحد. هي وسيلة لزيادة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهي غاية بذاتها كونها تسمح للناس للإحساس بالمزيد من الإنجاز الذاتي.
وللمشاركة عدة أشكال مترابطة:
أولاً، المشاركة في المنزل
يشير تقرير الأمم المتحدة إلى أن المرأة نادراً ما تحصل على حق متساوٍ في قرارات المنزل، وهي أيضاً لا تمتلك الحق في دخل رب المنزل. ومن النتائج الخطيرة لعدم المساواة في المسؤولية ضمن المنزل هي ارتفاع نسبة الوفيات بين الإناث قياساً بالذكور. في بنغلاديش مثلاً، يموت 15% من الإناث أكثر من الذكور في السنة الأولى من الولادة، لأن رب المنزل لا يخصص موارد متساوية للعناية بالبنات كما للذكور.
ثانياً، المشاركة الاجتماعية
وهي طريقة أخرى يصل الناس فيها إلى إمكاناتهم القصوى. العديد من الجاليات خاصة بين الفقراء والجماعات الإثنية غير قادرين على الحفاظ أو تأكيد هويتهم. والمشاركة بهذا المعنى تعني المحافظة على الثقافة عبر لغتها وفنونها وموسيقاها أو أدبها.
ثالثاً، المشاركة السياسية
فهي ترتبط بقوة بحقوق الإنسان، مثل حرية الكلام، الصحافة، حكم القانون وكذلك المشاركة في العملية السياسية. وهذا ربما يعني أكثر من مجرد صندوق اقتراع. الانتخابات الحرة والعادلة هي أدنى حد من المشاركة السياسية. هناك الحاجة إلى المسؤولية السياسية من جانب المنتخبين بالإضافة إلى فرص التأثير على صانعي السياسة من خلال المؤسسات مثل المنظمات غير الحكومية.
ورابعاً، المشاركة الاقتصادية
التي تتطلب توفير الفرص إلى الناس كي يستفيدوا من قابلياتهم. العمل ذاته يمكن أن يُنظم على أساس تشاركي بحيث يمكّن الأفراد من التأثير والسيطرة على نطاق واسع من النشاطات الاقتصادية.
فوائد المشاركة
ما هي الفوائد المرتبطة بالتقدم المادي والبشري المتوقع من المشاركة الواسعة في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والفردية؟ هذه تتمحور حول اثنين من الإمكانات:
1- تعزيز المساواة النسبية في توزيع الدخل، وذلك عبر السماح للغالبية من الفقراء بالوصول إلى أدنى مستوى من الدخل يضمن الحاجات والخدمات الأساسية.
2- زيادة الإمكانات الإنسانية من مهارات تقنية وإدارة ابتكارية تساعد في تعزيز التنمية الاقتصادية.
عيوب المشاركة
وعلى الرغم من الفوائد المفترضة للتنمية التشاركية، إلا أنها لم تكن بمستوى التوقعات. حاول (Dharam) أن يبين من وجهة نظر الأفراد الحركيين في المستويات الدنيا أسباب ضعف ما تحقق من إنجازات:
1- برامج المشاركة الناجحة تعتمد عادة على القيادة الاستثنائية لفرد معين. هذا الفرد ينجح في تحفيز فريق من النشطاء الذين بدورهم يتولون إثارة وتنبيه المشاركين نحو السلوك المطلوب. هذه التجربة يصعب استنساخها على المستوى القومي، طالما هي تعتمد كلياً على نوعية محددة من الأفراد.
2- التنمية بالمشاركة، خاصة عندما تكون في صيغتها الحركية، تميل لتأخذ تصورات ثورية في ذهن القادة الرسميين. القليل من التشجيع يُمنح إلى برامج المشاركة، والأفراد المشاركين ربما يتعرضون إلى التمييز والمضايقات.
3- مع أن المشاركة قد تعمل بشكل جيد عندما تكون الخطط البسيطة قيد الدراسة، إلا أن الأفراد المشاركين قد لا يستطيعون العمل ضمن برامج التنمية المعقدة التي تتطلب المزيد من الدراسة.
4- برامج المشاركة عادة تشكل فقط عينة رمزية حين تمثل الناس الذين يُفترض أن ينتفعوا من البرامج. وهؤلاء الناس (المستفيدون) قد لا يُعاملون بشكل مرضٍ، لأن الاتجاه التشاركي في التنمية هو جديد، والأفراد الذين يدعون لتطبيقه تنقصهم المعرفة الملائمة في فهم كيفية تنفيذه.
إن التنمية بالمشاركة عادة تلتبس في أذهان المسؤولين، وكذلك تتداخل في أدب التنمية مع مفهوم اللامركزية decentralization)). والمفهومان قد يسيران معاً، إلا أن برامج اللامركزية تحتاج أن تُصمم بعناية إذا أريد لها أن لا تصب في مصلحة النخب. وإذا بقيت السلطة متمركزة بيد النخبة، فإن اللامركزية ستكون سبباً في تقوية مراكز تلك النخب، بدلاً من تفويض وتمكين الناس الذين هم في أسفل السلم.
أنواع اللامركزية
تسعى اللامركزية إلى نقل الحكومة من العاصمة إلى الأقاليم والمدن والأرياف، وهي تأخذ أحد الأشكال التالية:
1- اللامركزية الأفقية التي توسع القرارات الحكومية وتمدها بعيداً عن شخص الوزير أو مجموعة الوزراء، لتصبح في متناول العديد من الهيئات الحكومية ضمن الحكومة القومية.
2- اللامركزية العمودية التي تفوض القرارات (والإنفاق) نزولاً إلى الأقاليم والمستويات المحلية وكذلك الأرياف، باعتبار أن المسؤولين والسياسيين هم اكثر عرضة للمسؤولية تجاه الناس الذين يخدمونهم.
واللامركزية سواء كانت عمودية أو أفقية تأخذ إما الشكل القوي أو الشكل الضعيف. الشكل القوي devolution)) هو عملية نقل السلطات من المركز بما يسمح للهيئات غير هيئات الحكومة الوطنية لتأخذ كامل المسؤولية عن نشاطاتها. وهذا يتضمن سلطة توفير العائدات ورسم وتنفيذ برامج وخطط التنمية. أما الشكل الضعيف للامركزية فهو التفويض (delegation) وفيه تُمرر بعض السلطات إلى هيئات أخرى، لكن الحكومة المركزية تحتفظ بالحق في إبطال القرارات الصادرة في المناطق والمستويات المحلية الأخرى. والحكومة المركزية قد تطبق الشكل الضعيف للامركزية والذي يسمى (deconcentration). وهذا عبارة عن إجراء إداري صُمم لزيادة فاعلية الإدارة، حيث يُمنح مقدار من المرونة الإدارية للإدارات المحلية ولوزراء الحكومة المركزية، ولكن جميع القرارات الكبرى تخضع مجدداً إلى الحكومة المركزية. فلا سلطة تُمنح للعمل بشكل مستقل، ولن يكون هناك معنى لنشر السلطات.
إن الضغوط في الدول النامية نحو ممارسة اللامركزية، هي نتيجة لما يبدو من مركزية شديدة في تلك الدول قياساً بالدول المتطورة. وعلى الرغم من عدم وجود قياس مقنع للامركزية إلا أن المؤشر المفيد في هذا الجانب هو درجة اللامركزية المالية. فإذا لم يكن هناك مقدار من المرونة المالية في المستويات المحلية والأقاليم، فلن يكون هناك معنى في عملية تفويض اتخاذ القرارات.
لو نظرنا إلى تقرير الأمم المتحدة للتنمية الإنسانية لعام 1993 نجد أن حصة الحكومات المحلية من الإنفاق الكلي للحكومة في الدول الصناعية بلغت 35-20% وفي بعض الدول مثل الدانمارك بلغت النسبة حوالي 45%. وكذلك بالنسبة إلى العائد اتضح أن ربع عائد الحكومة في الدول الصناعية يأتي من الضرائب المحلية. أما في الدول النامية بلغت عائدات السلطات المحلية فقط 6% من العائد الكلي للحكومة.
إن اللامركزية المالية هي واحدة من عدة طرق للنظر في لامركزية الحكومة. فهناك مجالات أخرى تكون فيها المساهمات المحلية كبيرة خاصة في الشؤون الاجتماعية والثقافية. ولكن بشكل عام فإن الانطباع السائد، هو أن الدول النامية تمارس مركزية شديدة في عمل القرارات وقضايا الإنفاق. وفي بعض الدول النامية تعتبر المركزية من الإرث الاستعماري. فالقوى الاستعمارية ولغرض سهولة الإدارة، قامت بتركيز التمويل وصنع القرارات في العاصمة. والعديد من الدول النامية مارست نوعاً من التحيز للمدن على حساب الأرياف في موضوع الإنفاق والخدمات. وأخيراً لعبت المساعدات الأجنبية دوراً في نمط المركزية السائدة، لأن الحكومات المركزية هي التي تفاوض حول القروض وتتخذ مسؤولية الإنفاق.
ومقابل ذلك، لابد أن تحصل الدول النامية على المكاسب من اللامركزية، كونها تمكّن الجاليات ذات العلاقة ليكون لها صوت حقيقي في التخطيط وفي صرف الإنفاق العام. لابد للحكومات المحلية أن تكون اكثر مسؤولية تجاه الجالية، وعلى صعيد الواقع أثار الخبراء في سياسات اللامركزية بعض الشكوك حول تقييم منافع وتكاليف تلك السياسات.
يرى (ديفيد سلاتر) عدم وجود تطابق بين الديمقراطية الشعبية وتفويض بعض وظائف السلطة الإدارية إلى الأقاليم والمراكز المحلية، حيث يوجد في الأقاليم وحتى في الأرياف جماعات اجتماعية معارضة للديمقراطية تستطيع الاستحواذ على مكاسب اللامركزية. فالنقود لا تُستعمل دائماً لخدمة السكان المحليين، والأفضليات قد تعكس حاجات أفراد النخبة. مثلاً لوحظ أن اللامركزية السياسية في بنغلاديش لم تحسّن الحاجات الأساسية. وفي الواقع أن الإدارات اللامركزية مسؤولة عن الخراب والتشويه في خدمات الصحة والتعليم أو في معالجة الكوارث. فقد أشار تقرير الأمم المتحدة إلى وجود أدلة من باكستان تفيد بإنفاق موارد الميزانية على الكليات والمستشفيات الراقية، بينما أُهملت معظم المناطق القروية من الحصول على الخدمات الصحية والتعليمية المناسبة.
إن وصف اللامركزية بالمشاركة الشعبية يحتاج إلى تحفظ شديد. فاللامركزية يمكنها أن تزيد من انخراط الناس العاديين في مناقشة شؤونهم، إلا أن ذلك قد لا ينسجم مع الديمقراطية الضعيفة في المستوى القومي بالدول النامية. فعندما لا يوجد هيكل ديمقراطي في المستوى القومي، فمن غير المحتمل أن تتمكن الحكومات المحلية من خلق مشاركة حقيقية وفعالة في عملية صنع القرارات المحلية.لا تقتصر الديمقراطية على السياسة في المستوى القومي، بل إن من أهم مظاهر الديمقراطية هي المشاركة الشعبية. فالحكومات التي تتبنّى الديمقراطية يُتوقع منها دعم الحركات الشعبية وخاصة جموع الفقراء. إن معرفة مدى التزام السياسة العامة بمبدأ المشاركة والتوجيه الشعبي يُعتبر أمراً هاماً جداً في فهم البيئة السياسية التي توضع في ظلها السياسة الاقتصادية. في تقرير للأمم المتحدة للتنمية الإنسانية لعام 1993 يشير إلى أن المشاركة ليست مصطلحاً جديداً، فهي وُجدت كمصطلح منذ الستينات. ولكن في ذلك الوقت كانت المشاركة تشير فقط إلى الناس الذين ينخرطون في مشروع معين أو برنامج محدد. أما في التسعينات فقد أصبحت المشاركة تعني جزءاً من استراتيجية تنموية واسعة. والهدف هو أن الناس يصبح لديهم إمكانية دائمة في الوصول إلى السلطة وإلى اتخاذ القرارات، وتمكينهم من الحصول على فرص واسعة لأنفسهم . المشاركة إذاً هي غاية ووسيلة في آن واحد. هي وسيلة لزيادة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهي غاية بذاتها كونها تسمح للناس للإحساس بالمزيد من الإنجاز الذاتي.
وللمشاركة عدة أشكال مترابطة:
أولاً، المشاركة في المنزل
يشير تقرير الأمم المتحدة إلى أن المرأة نادراً ما تحصل على حق متساوٍ في قرارات المنزل، وهي أيضاً لا تمتلك الحق في دخل رب المنزل. ومن النتائج الخطيرة لعدم المساواة في المسؤولية ضمن المنزل هي ارتفاع نسبة الوفيات بين الإناث قياساً بالذكور. في بنغلاديش مثلاً، يموت 15% من الإناث أكثر من الذكور في السنة الأولى من الولادة، لأن رب المنزل لا يخصص موارد متساوية للعناية بالبنات كما للذكور.
ثانياً، المشاركة الاجتماعية
وهي طريقة أخرى يصل الناس فيها إلى إمكاناتهم القصوى. العديد من الجاليات خاصة بين الفقراء والجماعات الإثنية غير قادرين على الحفاظ أو تأكيد هويتهم. والمشاركة بهذا المعنى تعني المحافظة على الثقافة عبر لغتها وفنونها وموسيقاها أو أدبها.
ثالثاً، المشاركة السياسية
فهي ترتبط بقوة بحقوق الإنسان، مثل حرية الكلام، الصحافة، حكم القانون وكذلك المشاركة في العملية السياسية. وهذا ربما يعني أكثر من مجرد صندوق اقتراع. الانتخابات الحرة والعادلة هي أدنى حد من المشاركة السياسية. هناك الحاجة إلى المسؤولية السياسية من جانب المنتخبين بالإضافة إلى فرص التأثير على صانعي السياسة من خلال المؤسسات مثل المنظمات غير الحكومية.
ورابعاً، المشاركة الاقتصادية
التي تتطلب توفير الفرص إلى الناس كي يستفيدوا من قابلياتهم. العمل ذاته يمكن أن يُنظم على أساس تشاركي بحيث يمكّن الأفراد من التأثير والسيطرة على نطاق واسع من النشاطات الاقتصادية.
فوائد المشاركة
ما هي الفوائد المرتبطة بالتقدم المادي والبشري المتوقع من المشاركة الواسعة في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والفردية؟ هذه تتمحور حول اثنين من الإمكانات:
1- تعزيز المساواة النسبية في توزيع الدخل، وذلك عبر السماح للغالبية من الفقراء بالوصول إلى أدنى مستوى من الدخل يضمن الحاجات والخدمات الأساسية.
2- زيادة الإمكانات الإنسانية من مهارات تقنية وإدارة ابتكارية تساعد في تعزيز التنمية الاقتصادية.
عيوب المشاركة
وعلى الرغم من الفوائد المفترضة للتنمية التشاركية، إلا أنها لم تكن بمستوى التوقعات. حاول (Dharam) أن يبين من وجهة نظر الأفراد الحركيين في المستويات الدنيا أسباب ضعف ما تحقق من إنجازات:
1- برامج المشاركة الناجحة تعتمد عادة على القيادة الاستثنائية لفرد معين. هذا الفرد ينجح في تحفيز فريق من النشطاء الذين بدورهم يتولون إثارة وتنبيه المشاركين نحو السلوك المطلوب. هذه التجربة يصعب استنساخها على المستوى القومي، طالما هي تعتمد كلياً على نوعية محددة من الأفراد.
2- التنمية بالمشاركة، خاصة عندما تكون في صيغتها الحركية، تميل لتأخذ تصورات ثورية في ذهن القادة الرسميين. القليل من التشجيع يُمنح إلى برامج المشاركة، والأفراد المشاركين ربما يتعرضون إلى التمييز والمضايقات.
3- مع أن المشاركة قد تعمل بشكل جيد عندما تكون الخطط البسيطة قيد الدراسة، إلا أن الأفراد المشاركين قد لا يستطيعون العمل ضمن برامج التنمية المعقدة التي تتطلب المزيد من الدراسة.
4- برامج المشاركة عادة تشكل فقط عينة رمزية حين تمثل الناس الذين يُفترض أن ينتفعوا من البرامج. وهؤلاء الناس (المستفيدون) قد لا يُعاملون بشكل مرضٍ، لأن الاتجاه التشاركي في التنمية هو جديد، والأفراد الذين يدعون لتطبيقه تنقصهم المعرفة الملائمة في فهم كيفية تنفيذه.
إن التنمية بالمشاركة عادة تلتبس في أذهان المسؤولين، وكذلك تتداخل في أدب التنمية مع مفهوم اللامركزية decentralization)). والمفهومان قد يسيران معاً، إلا أن برامج اللامركزية تحتاج أن تُصمم بعناية إذا أريد لها أن لا تصب في مصلحة النخب. وإذا بقيت السلطة متمركزة بيد النخبة، فإن اللامركزية ستكون سبباً في تقوية مراكز تلك النخب، بدلاً من تفويض وتمكين الناس الذين هم في أسفل السلم.
أنواع اللامركزية
تسعى اللامركزية إلى نقل الحكومة من العاصمة إلى الأقاليم والمدن والأرياف، وهي تأخذ أحد الأشكال التالية:
1- اللامركزية الأفقية التي توسع القرارات الحكومية وتمدها بعيداً عن شخص الوزير أو مجموعة الوزراء، لتصبح في متناول العديد من الهيئات الحكومية ضمن الحكومة القومية.
2- اللامركزية العمودية التي تفوض القرارات (والإنفاق) نزولاً إلى الأقاليم والمستويات المحلية وكذلك الأرياف، باعتبار أن المسؤولين والسياسيين هم اكثر عرضة للمسؤولية تجاه الناس الذين يخدمونهم.
واللامركزية سواء كانت عمودية أو أفقية تأخذ إما الشكل القوي أو الشكل الضعيف. الشكل القوي devolution)) هو عملية نقل السلطات من المركز بما يسمح للهيئات غير هيئات الحكومة الوطنية لتأخذ كامل المسؤولية عن نشاطاتها. وهذا يتضمن سلطة توفير العائدات ورسم وتنفيذ برامج وخطط التنمية. أما الشكل الضعيف للامركزية فهو التفويض (delegation) وفيه تُمرر بعض السلطات إلى هيئات أخرى، لكن الحكومة المركزية تحتفظ بالحق في إبطال القرارات الصادرة في المناطق والمستويات المحلية الأخرى. والحكومة المركزية قد تطبق الشكل الضعيف للامركزية والذي يسمى (deconcentration). وهذا عبارة عن إجراء إداري صُمم لزيادة فاعلية الإدارة، حيث يُمنح مقدار من المرونة الإدارية للإدارات المحلية ولوزراء الحكومة المركزية، ولكن جميع القرارات الكبرى تخضع مجدداً إلى الحكومة المركزية. فلا سلطة تُمنح للعمل بشكل مستقل، ولن يكون هناك معنى لنشر السلطات.
إن الضغوط في الدول النامية نحو ممارسة اللامركزية، هي نتيجة لما يبدو من مركزية شديدة في تلك الدول قياساً بالدول المتطورة. وعلى الرغم من عدم وجود قياس مقنع للامركزية إلا أن المؤشر المفيد في هذا الجانب هو درجة اللامركزية المالية. فإذا لم يكن هناك مقدار من المرونة المالية في المستويات المحلية والأقاليم، فلن يكون هناك معنى في عملية تفويض اتخاذ القرارات.
لو نظرنا إلى تقرير الأمم المتحدة للتنمية الإنسانية لعام 1993 نجد أن حصة الحكومات المحلية من الإنفاق الكلي للحكومة في الدول الصناعية بلغت 35-20% وفي بعض الدول مثل الدانمارك بلغت النسبة حوالي 45%. وكذلك بالنسبة إلى العائد اتضح أن ربع عائد الحكومة في الدول الصناعية يأتي من الضرائب المحلية. أما في الدول النامية بلغت عائدات السلطات المحلية فقط 6% من العائد الكلي للحكومة.
إن اللامركزية المالية هي واحدة من عدة طرق للنظر في لامركزية الحكومة. فهناك مجالات أخرى تكون فيها المساهمات المحلية كبيرة خاصة في الشؤون الاجتماعية والثقافية. ولكن بشكل عام فإن الانطباع السائد، هو أن الدول النامية تمارس مركزية شديدة في عمل القرارات وقضايا الإنفاق. وفي بعض الدول النامية تعتبر المركزية من الإرث الاستعماري. فالقوى الاستعمارية ولغرض سهولة الإدارة، قامت بتركيز التمويل وصنع القرارات في العاصمة. والعديد من الدول النامية مارست نوعاً من التحيز للمدن على حساب الأرياف في موضوع الإنفاق والخدمات. وأخيراً لعبت المساعدات الأجنبية دوراً في نمط المركزية السائدة، لأن الحكومات المركزية هي التي تفاوض حول القروض وتتخذ مسؤولية الإنفاق.
ومقابل ذلك، لابد أن تحصل الدول النامية على المكاسب من اللامركزية، كونها تمكّن الجاليات ذات العلاقة ليكون لها صوت حقيقي في التخطيط وفي صرف الإنفاق العام. لابد للحكومات المحلية أن تكون اكثر مسؤولية تجاه الجالية، وعلى صعيد الواقع أثار الخبراء في سياسات اللامركزية بعض الشكوك حول تقييم منافع وتكاليف تلك السياسات.
يرى (ديفيد سلاتر) عدم وجود تطابق بين الديمقراطية الشعبية وتفويض بعض وظائف السلطة الإدارية إلى الأقاليم والمراكز المحلية، حيث يوجد في الأقاليم وحتى في الأرياف جماعات اجتماعية معارضة للديمقراطية تستطيع الاستحواذ على مكاسب اللامركزية. فالنقود لا تُستعمل دائماً لخدمة السكان المحليين، والأفضليات قد تعكس حاجات أفراد النخبة. مثلاً لوحظ أن اللامركزية السياسية في بنغلاديش لم تحسّن الحاجات الأساسية. وفي الواقع أن الإدارات اللامركزية مسؤولة عن الخراب والتشويه في خدمات الصحة والتعليم أو في معالجة الكوارث. فقد أشار تقرير الأمم المتحدة إلى وجود أدلة من باكستان تفيد بإنفاق موارد الميزانية على الكليات والمستشفيات الراقية، بينما أُهملت معظم المناطق القروية من الحصول على الخدمات الصحية والتعليمية المناسبة.
إن وصف اللامركزية بالمشاركة الشعبية يحتاج إلى تحفظ شديد. فاللامركزية يمكنها أن تزيد من انخراط الناس العاديين في مناقشة شؤونهم، إلا أن ذلك قد لا ينسجم مع الديمقراطية الضعيفة في المستوى القومي بالدول النامية. فعندما لا يوجد هيكل ديمقراطي في المستوى القومي، فمن غير المحتمل أن تتمكن الحكومات المحلية من خلق مشاركة حقيقية وفعالة في عملية صنع القرارات المحلية.