تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الهوية والانتماء والرؤية الضبابية

شؤون سياسية
الأحد 1-9-2013
 بقلم : د. أسد حمزة

مايلفت النظر في واقع المجتمع من خلال الأزمة السورية وتداعياتها ضمن ما عصف بالوطن العربي بعد الربيع العربي المزعوم أن كثيراً من المفاهيم والمصطلحات والثوابت الوطنية والقومية والتحالفات السياسية جرى عليها تغيير بعيد عن المنطق والرؤية السديدة

في مرحلة الستينات مرحلة النهوض القومي والصراع مع العدو الصهيوني كان يدور الحديث في الادبيات السياسية أن الصراع مع العدو الصهيوني يمر بثلاث دوائر، الدائرة الفلسطينية، والدائرة العربية، والدائرة العالمية. وأن أعداء الأمة العربية هم العدو الصهيوني والرجعية العربية، والامبريالية العالمية .‏

باعتقادي كانت هذه الادبيات ولم تزل أدبيات منطقية وصحيحة لم تتغير ولكن الذي تغير هو محاولة الدوائر الاستعمارية والرجعية قلبها وخلق مفاهيم جديدة لتغيير جوهر الصراع من صراع مع الأعداء الحقيقيين إلى صراع بين الأخوة والأصدقاء وأبناء العمومة .‏

علماً أن الأمبريالية مازالت هي هي، والرجعية العربية ازدادت شراسة وانتقلت من الصراع الايديولوجي إلى إنتاج فكر وتنظيم إرهابي يستهدف وجود الأمة العربية بترابط وجودي وثيق مع الامبريالية العالمية والصهيونية العالمية .‏

والأغرب من ذلك نجد في مجتمعنا من يحاول خلط الأوراق ومحاولة حرف البوصلة عن اتجاهها الصحيح‏

ماأود قوله إن الانتماء الوطني والقومي للانسان العربي هو المقياس الحقيقي للانتماء إما مع الوطن أو ضده خاصة أن الوطن يتعرض لأشرس هجمة كونية عالمية مستخدمة كل الوسائل العسكرية والنفسية والإعلامية متجاوزة الأعراف والقيم للوصول إلى تمزيق الدولة وكل الدول العربية ذات التأثير في الصراع العربي الصهيوني .‏

لم تعرف الشعوب العربية الطائفية والمذهبية منذ أن استقلت بالخمسينات وحتى فترة قريبة عندما أخذت التنظيمات الدينية الفاشية تنفذ مخططات الغرب الاستعماري والصهيوني لأن هذا النهج أقل الخسائر والتكاليف بالنسبة للدوائر الغربية وتدمير المنطقة العربية بخلق فتنة طائفية مذهبية تطبيقاً للمخطط الأميركي الفوضى الخلاقة وصولاً إلى كيانات وإمارات إسلامية مختلفة تكون فيها إسرائيل الدولة العظمى .‏

والشيء المستغرب في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها سورية والمنطقة العربية نلاحظ أن بعضاً من قوى المجتمع والتي من المفترض أن تكون في الصفوف الأولى في مواجهة الفكر الإرهابي ومحاربة الفاشية الدينية والفتنة المذهبية وعلى اعتبار أن هذا الفصل علماني ومتحرر وله دور سابق في العمل الوطني.‏

ولكن ما نشاهده ونسمعه من حوارات ومناقشات لا يختلف كثيراً عن الفكر الأصولي المتخلف على الرغم من أن مرجعية هذه الشرائح الفكر الماركسي مع العلم أن كثيراً من البيئات الحاضنة التي احتضنت العصابات المسلحة قد تخلت عن هذه العصابات بعدما تأكد لهذه البيئات الحاضنة أن هذه العصابات المسلحة ليس لديها توجهات وطنية أو إصلاحية وإنما هي وقود لتنفيذ مخططات أجنبية وممارسة كل أنواع الجرائم الأخلاقية والفاشية بحق الشعب السوري وتهجيره وتشتيته.‏

كيف تكون هذه الشريحة علمانية وتلتقي مع حاملي الفكر الإرهابي من الإخوان وجبهة النصرة بحجة محاربة الظلم والديكتاتورية وتتلقى الدعم من الخارج.‏

كيف تتبنى هذه الشريحة منطق محاربة التشيع والعداء المطلق لإيران بأنها الخطر الأكبر الذي يتهدد وجود الأمة العربية ومنذ متى أصبح التشيع أيديولوجية تغزو الشعوب نعترف أن الإعلام الأميركي والصهيوني قد نجح إلى حد ما بقلب المفاهيم وخلط الأوراق في المنطقة بحيث أصبحت إيران هي العدو الأول للأمة العربية وخطراً يتهدد وجودها وأن الخلاف السني الشيعي أصبح البديل للصراع العربي الصهيوني وهذا ما يريده الغرب أن يتحول الصراع «إسلامي إسلامي» وتدخل المنطقة كلها في أتون الحرب الطائفية والمذهبية.‏

هناك من يقول إن إيران تزاود على العرب في القضية الفلسطينية لخداع العرب والعالم وكسب ودهم للسيطرة عليهم ونشر التشيع كم من السذاجة في تداول مثل هذا الطرح ألم تضع الثورة الإيرانية منذ قيامها كافة إمكانياتها لدعم المقاومة في لبنان وفلسطين هل حماس منظمة شيعية بالرغم من تحفظنا على بعض قيادات حماس من انحرافها عن نهج المقاومة وانغماسها في تدخلها في الشأن السوري. لماذا لا تعلن السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي أنها مع المقاومة العربية إن كانت لبنانية أو فلسطينية وأنها ضد الكيان الصهيوني لماذا لم يقطع نظام حسني مبارك ونظام مرسي علاقتهما مع الكيان الصهيوني وإلغاء إتفاقية كامب ديفيد.‏

رغم هذا الوضوح أن الأنظمة الرجعية العربية هي بموازاة الكيان الصهيوني في تهديدها للأمن القومي العربي وأنها مرتبطة بشكل عضوي في الوجود الصهيوني نرى ونسمع أصواتاً شاذة داخلياً وعربياً أن الصراع في المنطقة العربية هو صراع سني شيعي وأن محور المقاومة هو سبب الصراع. إن الرجعية العربية لم تكن في يوم من الأيام في صف القوى الوطنية والقومية فمنذ الستينات كشرت عن أنيابها وعدائها السافر بمحاربة الثورة اليمنية ومحاربة مصر لأنها كانت تتبنى المشروع القومي وساهمت في دعم عدوان /1967/ على الأمة العربية ومحاربتها لحركات التحرر الوطني العربية على مساحة الوطن العربي.‏

وهذا ما يؤكد دور الرجعية العربية وعلى رأسها السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي من خلال الأزمة السورية فبدلاً من أن تلعب هذه الأنظمة دور الوساطة الإيجابية والمساهمة في تقريب وجهات النظر ودفع جميع أطراف الصراع إلى طاولة الحوار وقطع الطريق على تدويل الأزمة وإبعاد المنطقة من التدخل الخارجي دفعت هذه الأنظمة الرجعية بكل ثقلها لتأزيم الوضع الداخلي ودعم الحراك المسلح مادياً وسياسياً وإعلامياً وطالبوا علانية مجلس الأمن بالتدخل عسكرياً لتدمير الدولة السورية كياناً ودوراً لأن سورية هي القلعة الأخيرة من الأمة العربية التي تقف في وجه المخططات الأميركية والصهيونية من هنا ترى ضبابية الرؤية لبعض الفصائل الاجتماعية على اختلاف مستوياتها في اتخاذ المواقف الحاسمة تجاه ما يجري في سورية لأنهم مازالوا يقفون على التلة أو منغمسون في دعم العصابات المسلحة لعلهم يأخذون جزءاً من الكعكة السورية.‏

إن ضبابية الرؤية وعدم اتخاذ المواقف السليمة تجاه الأحداث قد يفسر في اتجاهين - اتجاه غرر به نتيجة الجهل الأمي وانعدام الثقافة والتعليم والبطالة والفقر والاتجاه الثاني أنصاف المثقفين المخدوعين بالإعلام المضلل مثل الجزيرة والعربية والإعلام الأجنبي هذا الإعلام استطاع على أكثر من خمسة عشر عاماً أن يخدع قسماً لابأس به من المجتمع السوري والعربي بأنه يقول الحقيقة ويساهم في تحرير الإنسان العربي من الظلم والعبودية وصولاً إلى جمهورية أفلاطون ولهذا التاريخ مازال هذا الجزء من المجتمع يسمع ويحلل على ضوء ما تقوله هذه الوسائل الإعلامية المساهمة في سفك الدم السوري والعربي وتأجيج الصراع المذهبي والطائفي خدمة للمشروع الأمروصهيوني، أن الثوابت الوطنية لا تقبل القسمة حماية الوطن والدفاع عنه لا تقبل النقاش ولامجال للمساومة إما مع الوطن أو ضده إما أن نكون أو لانكون. إن جماهير شعبنا وما فطرت عليه من حب الوطن لعبت ولاتزال تلعب دوراً جباراً إلى جانب القوات المسلحة في قطع رأس الفتنة الطائفية والمذهبية متجاوزة بذلك أشباه المثقفين وأنصاف المثقفين يسيرون على درب أبائنا وأجدادنا عندما لم يكن هناك دولة سورية فهب هؤلاء العظماء عندما كانت سورية تحت الاحتلال الفرنسي هبوا للدفاع عن تراب سورية تحت شعار/ الدين لله والوطن للجميع/ وتكللت جهود المناضلين السوريين على امتداد الساحة السورية تحت قيادة موحدة لدحر الغزاة وتحرير الوطن. لم يكن هدفهم زعامة أو سلطة كان هؤلاء المناضلون يبيعون القمح والبقر وما امتلكوا لشراء السلاح للدفاع عنه كم كانوا عظماء وجبابرة وقد خلدهم التاريخ وكتب أسماءهم من نور واليوم شعبنا يسطر أروع الملاحم ورغم وجود قسم منه تحت سيطرة المسلحين وما يلاقونه من فخر وقهر وتعذيب إلا أنه يؤكد أن الانتماء للوطن لا يعلو عليه شيء والدفاع عنه واجب مقدسي لأنه أدرك بسجيته الوطنية أن الكرامة والعزة والعرض إذا فقدوا فقد الإنسان كل شيء، شعبنا العظيم يعرف أن الهوية والانتماء لهما الاستحقاقات ولكن ليس في فنادق باريس واسطنبول وواشنطن هذه الاستحقاقت نراها تدفع دماء على تراب سورية مدركاً ما يتهدد هذا الوطن من مخاطر ....... وما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية