ونقصد هنا الجيش العربي السوري، الذي كان صاحب الفضل الأكبر في تحقيق أول انتصار عربي في تاريخ الصراع العربي الصهيوني، حيث واجه آلة الحرب الصهيونية الحديثة والمتطورة وتمكن من قهر الجيش الذي روجت له الأساطير في الإعلام الغربي والمأجور وقيل إنه لا يقهر، وتمكن من تحرير معظم الأراضي المحتلة في الجولان المحتل قبل أن تتوقف الحرب على الجبهة المصرية، وتتحول المعركة إلى حرب استنزاف طويلة على الجبهة السورية.
في تلك المرحلة من تاريخ الحرب أي بعد خروج مصر بصلح منفرد مع إسرائيل، وقع على عاتق الجيش العربي السوري مهمة استكمال الحرب والحفاظ على الانجازات التي تحققت، ومقاومة الضغط الهائل الذي أحدثه خلل خروج مصر من الحرب، وتدفق الأسلحة والمساعدات العسكرية الهائلة للكيان الصهيوني ــ جسر جوي أميركي لم ينقطع طوال الحرب عوّض إسرائيل عن كل الخسائر التي لحقت بها خلال الحرب ــ ومع ذلك استطاع الجيش العربي السوري أن يحافظ على القنيطرة محررة وتمكن القائد المؤسس حافظ الأسد من رفع علم الوطن فوق ترابها في 26 حزيران من العام 1974.
في تلك الحرب إذاً بدأت قيم المقاومة تدخل في عقيدة الجيش العربي السوري، كنتيجة طبيعية لاختلال ميزان القوى العسكرية، وهذا ما أضاف لانتصار تشرين بعداً جديداً مازال الكيان الصهيوني يعيش مأزقه ويحسب له ألف حساب، وخاصة بعد أن أشرف الجيش العربي السوري على تدريب ودعم فصائل المقاومة في فلسطين ولبنان في السنوات التالية لحرب تشرين، بحيث تمكنت من إلحاق الهزائم بالجيش الصهيوني أكثر من مرة بالرغم من الترسانة العسكرية الهائلة التي يمتلكها، والدعم الذي يقدم له من الولايات المتحدة ودول غربية أخرى.
خلال الحرب الارهابية التي شنت على سورية منذ عام 2011 برهن الجيش العربي السوري في مناسبات كثيرة على وجود روح المقاومة والفداء والتضحية في نفوس منتسبيه وأفراده من ضباط وصف ضباط وجنود، بحيث تحول إلى لغز جديد في العلم العسكري الحديث بالنظر للإنجازات الخارقة التي حققها خلال ثماني سنوات من الحرب على جبهات كثيرة مع الارهاب التكفيري وداعميه من دول إقليمية ودول عظمى.
يمكن القول إن روح تشرين البطولة والتحرير والمقاومة لاتزال تسكن في وجدان كل جندي سوري، تلهمه الفخر والاعتزاز وتعزز فيه قيم التضحية والفداء دفاعاً عن وطنه وأرضه وشعبه، وقد برهنت سنوات الحرب الحالية على امتلاك سورية جيشاً مقاوماً يجيد كل أشكال الحروب الحديثة، من حروب الجبهات كما حدث في البادية السورية على ما يسمى حرب العصابات وحرب المدن وفك الحصار عنها مع كل تعقيداتها، وهذا ما مكنه خلال سنوات من تحرير المساحة الأكبر من الجغرافيا السورية من الارهاب التكفيري، وإعادتها إلى سيادة الدولة السورية رغم أنف الداعمين الدوليين والإقليميين وفي طليعتهم الولايات المتحدة الأميركية وتركيا وبعض الأنظمة الخليجية العميلة كالسعودية وقطر.
لقد أثبت الجيش العربي السوري أن لديه إضافة إلى العقيدة الوطنية والقومية الراسخة التي تميزه عن باقي جيوش المنطقة أدوات أخرى لا تقل قيمة وأهمية عن عقيدته لكسب أي معركة يخوضها، فالصبر والصمود والاستبسال والشجاعة واجتراح المعجزات كما جرى في سجن حلب ومطار كويرس ودير الزور وأماكن أخرى كثيرة ـ وكلها أفعال مقاومة بامتياز ـ كانت سلاحه الأمضى لهزيمة جيوش الإرهابيين على الأرض السورية ــ وكلهم بالمناسبة جيوش إسرائيل وأميركا وحلفاؤهما ــ وقد ساهمت هذه الأدوات أو القيم بتحرير حلب ودير الزور وحمص وريف حماه ودرعا والقنيطرة وبقية المناطق وستكون رصيده لتحرير ما تبقى من أرض في الشمال وفي إدلب، وهذا ما يخشاه كيان الاحتلال الإسرائيلي حالياً، إذ إن القدرات والأساليب التي تمتلكها فصائل المقاومة العربية في لبنان وفلسطين ــ وهي أساليب ناجعة ومجربة ــ باتت جزءاً من عقيدة الجيش العربي السوري، وإذا ما اندلعت أي معركة جديدة لتحرير ما تبقى من أراض محتلة في الجولان العربي، فسوف يجد الإسرائيلي نفسه في مواجهة ما يخشاه على الجبهة السورية، حيث لا سبيل لديه ولا إمكانية لكسر إرادة المقاومة مهما تلقى من دعم وتسليح.