فالزيارة تأتي بعد وقت قصير من إرسال طائرتين روسيتين على متنهما مئة جندي حطوا في مطار كاراكاس، ويبدو أن عدداً من هؤلاء متخصصون في علوم التحكم الأمني، والسبب في حضورهم إلى فنزويلا هو سلسلة الأعطال الكهربائية التي طالت الجزء الأكبر من فنزويلا، حيث أن مركز توليد الطاقة الكهربائية في فنزويلا الذي بدأ العمل منذ أعوام الستينات وهو يغذي 80% من كهرباء البلاد، تم تعطيله خلال الحملة التي استهدفت تغيير النظام في كاركاس من قبل الولايات المتحدة، فكان هذا المركز هدفاً لهجوم تحكمي عدة مرات لجعله خارج الخدمة مع غيره من البنى التحتية في البلاد، من كهرباء وماء وأدوية وغذاء ومنذ كانون الثاني عام 2011، تحدثت صحيفة نيويورك تايمز عن وجود برنامج في علم التحكم للألعاب الأولمبية أطلق عام 2004 بتفويض من جورج بوش الابن، وتم تسريع العمل به في عهد أوباما لمواجهة البرنامج النووي الإيراني، وقد عمل على ذلك علماء أمريكيون متخصصون في المعلوماتية بالتعاون مع وكالات التجسس في هذا المجال، وكان الفيروس المستخدم لهذا الهدف هو ستوكسنيت عام 2010 .
إننا نعيش اليوم أشكالاً جديدة من الصراع، تستخدم فيه القوى العظمى بعض أشكال الحرب الهجينة (اقتصادية - اجتماعية -طاقوية- علم التحكم .......) والفرق بين الحرب الكلاسيكية والحرب الهجينة أن هذه الأخيرة يتم القيام بها عبر وسائط غير معترف بها رسمياً وبطرق إرهابية، فهي موجهة حصرياً ضد المدنيين في الدول الأخرى وعبر تقنيات التأثير والتضليل الإعلامي والبروباغندا حيث استخدمت وسائل الإعلام العالمية أيضاً في هذه الحرب الهجينة.
مختبرات شركة الأمن الرقمي كاسبرسكي لاب المتخصص في أمن الحواسيب ومقرها الأساسي في موسكو، هي التي تكشف وتلتقط الهجوم الفيروسي وتقدم حلولاً وتطبيقات لبرامج مضادة للفيروسات، فهي المركز الأكثر تقدماً في العالم، لديها أربعمئة مليون زبون في العالم، كما تقدم الحماية التحكمية لمؤسسات الدولة الروسية، وقد قام مؤخراً مهندسون في كاسبرسكي لاب بإجراء اختبار جديد على أجهزة كشف الفيروسات فاكتشفوا أن هناك حركات ونشاطات غير اعتيادية على شبكات الشركة، تميزت بهجوم تحكمي كبير وقد تم اكتشاف الفيروس (DUQU 2.0) مع نفس النظام والرموز ذاتها للفيروس (DUQU) لكن بتقنيات أكثر، ولم يعرف حتى الآن من أدخل هذا الفيروس في حواسيب كاسبرسكي لاب، كما أنه من الممكن لهذا الفيروس (DUQU 2.0) أن يمنع اكتشافه لمدة تتراوح من عدة أشهر الى عدة سنوات وهو مشتق من فيروس (STUXNET) الذي صنعته الولايات المتحدة واسرائيل وتم اكتشافه في حزيران 2010 وهو يعمل على تخريب المنشأة المستهدفة، من خلال العبث بأنظمة التحكم حيث ضرب عدة منشآت صناعية في إيران منها مفاعل بوشهر النووي لكن وبحالة مماثلة تمت معاينة فيروس (DUQU 2.0) مع وقوع المشكلة في فنزويلا.
إسرائيل هي القوة الثانية في علم التحكم بعد الولايات المتحدة فهل هي متورطة في التحكم الآلي الهجومي في فنزويلا ؟ كما أنها الوحيدة في العالم التي تعلم في مدارسها علم (التحكم الأمني) حيث يتم تدريسه مع امتحان رسمي، وهناك مراكز إسرائيلية موجهة نحو هذا العلم، فبالنسبة إلى الاسرائيليين خدمة الجيش إجبارية والذين يحملون شهادات في علم التحكم الأمني مع أفضل درجات ينفذون خدمتهم العسكرية في (الوحدة 8200)، هذه الوحدة التي تعرف أيضاً باسم (ISNU) الوحدة الوطنية الاسرائيلية وقوامها 5000 عسكري، وهناك مديرية الدفاع التحكمي التابعة لقسم استخبارات الجيش، كانت قد شاركت في جميع عمليات الاستخبارات الاسرائيلية الهامة فالوحدة 8200 تدرب خبراء في التحكم الأمني ممن يتابعون عملهم في شركات أو مؤسسات مدنية، والغالبية من المؤسسات الخاصة في التحكم الأمني في اسرائيل تعود إلى رجال أعمال في الجيش جنوا ثروات طائلة من بيع الأسلحة إلى عدد من الدول الشيوعية سابقاً، وإلى كيانات إفريقية - غير دول - مثل انغولا وكونغو يتلقون مقابلها الألماس بل مناجم ألماس وقد جمعت هذه الشركات الخاصة المتحكمة في جمع المعلومات ومهاجمة الشبكات 6 مليارات دولار في العام 2018.
لقد أتاحت هذه التكنولوجيا والدمج الاقتصادي للقوى العظمى القدرة لأن تقود عمليات عالمية دون اللجوء إلى القوة العسكرية.
في العام 2017 أعلن مجلس الأمن الروسي أن روسيا تدعو إلى استخدام قواعد التحكم الأمني وإذا رفضت الدول الأخرى الاستجابة لهذه الدعوة فإن روسيا ستبدأ بسلطاتها التشريعية الخاصة، حيث صوت مؤخراً مجلس الدوما الروسي على (المشروع الوطني للاقتصاد الرقمي) الذي ينص على مبدأ الحماية في حال أي هجوم معلوماتي كبير قادم من الخارج.