ففي ٣٠ آذار ٢٠١٩ أطلق البابا فرانسوا على القدس (المدينة المقدسة ومكان التعايش).
إن ما يحدث اليوم في الشرق الأوسط هو تقويض تام لتوازن هش لصالح القوة العسكرية ممثلة بإسرائيل التي تدعمها الولايات المتحدة.
إلى جانب نقل الولايات المتحدة سفارتها إلى القدس أضافت جرحاً جديداً، ففي الثلاثين من آذار الماضي الذي صادف ذكرى بيوم الأرض الفلسطيني اعترفت الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل على الجولان المحتل.
في ٣٠ آذار من عام ٢٠١٨ احتشد الآلاف من أهالي قطاع غزة على الخط الفاصل في حركة احتجاج أطلقوا عليها (خطوات العودة الكبرى)، تحركوا حاملين العلم الفلسطيني تحت وابل من الأمطار، وحدثت المواجهات وتزامن سفك دمائهم مع تدشين الولايات المتحدة عاصمة لها في القدس في ١٤ أيار ٢٠١٨ شرق غزة.
احتفل سكان غزة بالذكرى الأولى للحصار الذي تفرضه إسرائيل منذ أكثر من عشر سنوات، الجنود الإسرائيليون المختبئون في الخنادق خلف الأسلاك الشائكة قتلوا بعد عام على مسيرات العودة ٢٦٦ متظاهراً وجرحوا أكثر من ٣٠ ألف منهم، وجدت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة أن الهجمات الإسرائيلية على المتظاهرين (تشكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية).
كتذكير يوم الجمعة ٣٠ آذار ٢٠١٨ جرت مذبحة في الهواء الطلق بحق الفلسطينيين، أما ذكرى نكبة عام ١٩٤٨ التي عانى منها الفلسطينيون فتذكر بفرار أكثر من ٧٠٠ ألف من أراضيهم بحثاً عن ملجأ في قطاع غزة والأردن ولبنان وسورية، والإسرائيليون يرفضون حق الفلسطينيين بالعودة، لأنهم يجمعون شتاتهم باسم قانون العودة ليحلّوا محل المستبعدين من الشعب الفلسطيني...
كان ٣٠ آذار ٢٠١٨ أكثر الأيام دموية في غزة، حيث دعا الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس ووزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديركا موغيريني إلى (تحقيق مستقل) حول استخدام إسرائيل للذخيرة الحية....
جرح آخر حدث في المنطقة وهو اعتراف الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل في تكرار لوعد بلفور، ترامب يقدم أرض لليهود ليست لهم ففي 25 آذار ٢٠١٩ وقع دونالد ترامب على مرسوم يعترف به رسمياً بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان بحضور نتنياهو. هذا المرسوم بمثابة دفعة قوية لنتنياهو قبيل الانتخابات التشريعية غير المستقرة لدى اليهود. استغل نتنياهو هذه الفرصة ليؤكد مجدداً (أن إسرائيل لن تتخلى أبداً) عن الجولان السوري الذي احتلته في حرب عام ١٩٦٧، قبل ضمها له عام ١٩٨١ الأمر الذي لم يعترف به المجتمع الدولي.
قرار ترامب انتقد بشدة من قبل الكثير من الدول. لكن بالنسبة للرئيس الأميركي فإن هذا الاعتراف (كان يجب أن يحدث منذ عقود)، ادّعت إدارة ترامب وإسرائيل أن هضبة الجولان لها فائدة أمنية، لكن هذا الكلام غير صحيح على الإطلاق.
فإسرائيل أقامت ٣٤ مستوطنة في مرتفعات الجولان وأسكنت فيها حوالي ألفي مدني إسرائيلي، بالإضافة إلى ذلك، تمتلك إسرائيل حوالي ١٦٧ نشاطاً اقتصادياً في مرتفعات الجولان، والجولان منتجع التزلج الوحيد الذي يمكن للإسرائيليين الوصول إليه.
كما تحدث السفير الأميركي دونالد فريدمان حول نقل السفارة الأميركية إلى القدس واصفاً الأمر أنه تتويج لحلم يهودي عمره ألفي عام بالعودة إلى صهيون، ووصف مرسوم ترامب بخصوص الجولان (بمعجزة بوريم) مشيراً إلى الطبيعة الاستراتيجية للجولان والتهديد الذي يمكن أن تشكله سورية...
بالنسبة للجولان الذي احتلته إسرائيل عام ١٩٦٧ فيشكل منطقة استراتيجية من الناحية العسكرية والاقتصادية، مع احتياطي مياه كبير، كما يطل على غور الأردن والجليل من الغرب وهضبة دمشق من الشرق، ومنذ عام ١٩٧٤ هي تحت إشراف الأمم المتحدة، عام ١٩٨١ أعلنت إسرائيل ضم أراضي منه مساحتها ١٢٠٠ كم٢، وقد أدانت الأمم المتحدة قرار الضم بنفس العام.
يوفر الجولان (بأنهاره ومياهه الجوفية) وحده ما يزيد على ٢٥٠ مليون م٣ من المياه العذبة سنوياً لإسرائيل..
ما يمكن استنتاجه أن السياسة الأميركية الجديدة في الشرق الأوسط والتي تتناقض مع الوضع الراهن لم تكن وليدة اللحظة، فما يقوله ويفعله ترامب هو أمور مهدت لها واشنطن مسبقاً، ففي تشرين الثاني ٢٠١٨ صوتت الولايات المتحدة للمرة الأولى ضد قرار الأمم المتحدة الذي اعتبر ضم إسرائيل الجولان (لاغياً وباطلاً). فقرار ترامب اعتبر دفعة لنتنياهو في حملته الانتخابية القادمة، بالإضافة لقرار جعل القدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها. صحيفة هآرتس أيضا اعتبرت (قرار ترامب بالاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان أخطر من قراره اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل) والقرار الحالي (هو طعنة موجهة للقانون الدولي باسم إسرائيل).
كل هذا التقارب لتبييض صفحة ترامب نحو فترة رئاسة جديدة، فمصير شعوب الشرق الأوسط هو موضوع التفاوض... ما هو دور الأمم المتحدة في هذا القرن المتسم بالتدخلات هنا وهناك بذرائع مختلفة فيما أعضاؤها ينتهكون باستمرار القرارات التي اتخذوها بأنفسهم، حتى الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريس لا يجرؤ على التصرف، فأمامه ميزانية يديرها وبإمكان الولايات المتحدة قطعها حين تشاء كما فعلت بالمساعدات المخصصة للاجئين الفلسطينيين.
بقلم: شمس الدين شيطور