وعلى الرغم مما لحق بهذا البلد من دمار هائل، نجد جذوة المقاومة تزداد صلابة وإصرارا. وأصبح اليمنيون يحاكون الفيتناميين في مقاومتهم للغزو السعودي-الإماراتي. فقد أهدر البلدان مليارات الدولارات، وزجا بالكثير من قواتهما مع فصائل من المرتزقة، وتحول اليمن إلى مستنقع للكوارث. وبذلك فإن الحرب السريعة والحاسمة التي كانا يحلمان بتحقيقها انقلبت عليهما. وبات الكثير من دول العالم يتساءل عن الدوافع والمسوغات لتلك الحرب ويطالب شركاءه الغربيين بوقف الدعم لهاتين الدولتين بأقصى سرعة ممكنة.
تدعي السعودية والامارات بأن الهدف الرئيس للانخراط في هذه الحرب يتمثل بإلحاق الهزيمة بأنصار الله، ذلك الأمر الذي تعذر تحقيقه. وإذ تزعم هاتان الدولتان بأن أنصار الله يدينون بالولاء إلى إيران، الأمر الذي يفنده الواقع، وبدا على نحو متزايد استقلال قرارهم عنها، وعدم حصولهما سوى على مساعدات محدودة من قبلها.
كان حري بالقادة السعوديين والإماراتيين العودة إلى تاريخ اليمن الذي يمتد إلى 2000 عام والتعرف على ما قدمه من تضحيات جسام في مقاومة من حاول احتلاله. فالشعب اليمني ألحق الهزيمة بالرومان، والعثمانيين الأتراك مرتين، وطرد البريطانيين عام 1967. كما أخرج القوات المصرية التي جاءت إلى بلاده عام 1962. وهذا يجعلنا نستذكر ما جرى للولايات المتحدة في حربها على فيتنام قبل 40 سنة، وما يحل بها حاليا في أفغانستان. فالغزاة يقاتلون في حرب استنزاف، يبذرون بها مواردهم، ويفقدون قيمهم الأخلاقية وسلطتهم السياسية نتيجة ما يقترفونه من جرائم في عملياتهم العسكرية.
لكن نتساءل في هذا السياق، هل التزمت الدولتان الحليفتان الصدق والشفافية فيما تدعيانه من نيات تسعيان إلى تنفيذها في اليمن؟ لقد أثبت الواقع بأن السعودية والامارات يقدمان السلاح والدعم للأعداد المتزايدة من الميليشيات اليمنية وفصائل يرتبط بعض منها بتنظيم القاعدة. وجرى اتباع هذه السياسات بغية تحويل اليمن إلى خليط من الحروب. ذلك لأن الهدف المعلن «للتدخل» لا يرتبط بالنفوذ الإيراني المزعوم بل يتمثل بالوصول إلى الموارد الطبيعية والموقع الاستراتيجي الهام لهذا البلد. لذلك انخرطت السعودية والامارات في حرب استعمارية جديدة لفرض سيطرتهما والاستحواذ على مصادر ثروة اليمن واحتلال أراضيه، إذ بدا على نحو واضح تنافسهما المتزايد لتقسيمه إلى مناطق نفوذ لهما.
اعتمدت الامارات العربية على فرق عسكرية من المرتزقة المدربين تدريبا جيدا، مما جعلها تقيم القواعد العسكرية في شتى أرجاء جنوب اليمن. وقدمت الدعم للانفصاليين من كافة المناطق الذي يرغبون بتحقيق الانفصال وإقامة إمارات إسلامية. ولم تكتف باحتلال الأرض، بل عمدت أيضا إلى إنشاء قواعد على جزيرة بيرم وجزيرة سقطرى اليمنية العريقة التي صنفتها منظمة اليونيسكو باعتبارها أحد الموقع الأثرية الهامة.
أما السعودية فإنها تلعب دورا مماثلا لدور حليفتها من خلال وضع يدها على محافظة المهرة في شرق اليمن، حيث تأمل الرياض بإنشاء خط نفطي يمر عبر هذه المحافظة لتكون بديلا من مضيق هرمز. وفي مختلف الأحوال، فإنه في مناطق أخرى من اليمن نجد الشعب يقاتل الغزاة بغية منع السيطرة على الأرض من قبل أية قوة خارجية، إذ يستنكر أهالي المهرة بناء مسجد ممول سعوديا لأنهم على ثقة بأنه سيوظف لتدريس المناهج الدينية السعودية التي سبق وأن اعتمدتها داعش، بالإضافة إلى ذلك، ابدى السكان ممانعة لإقامة قاعدة عسكرية سعودية في مدينتهم.
يجب على الدولتين الوقوف على واقع ونتائج المجازفات المكلفة التي خاضتها الولايات المتحدة بعد أحداث 11 أيلول، إذ أنها على الرغم من زجها لأعداد كثيرة من القوات المسلحة وإنفاقها العديد من تريليونات الدولارات، أخفقت في تحقيق أهدافها في كل من العراق وأفغانستان والتي تشابه إلى حد بعيد ما يجري باليمن في الوقت الراهن، ففي العراق، أسفر التدخل الأميركي إلى تدميره ومهد السبيل لنهوض تنظيم داعش. كما تصاعد في البلدين دور الميليشيات المتطرفة بعدما أحدثه هذا التدخل من فراغ في السلطة. ويبدو بأن الحرب على اليمن تتوجه نحو نتائج مماثلة. إذ مع استمرار الحرب السعودية - الاماراتية عليه سنجد أن العداء يزداد ضد وجودهما.
ربما يمضي وقت طويل قبل أن يرى اليمن دولته موحدة بحكومة فعالة مرة أخرى. ومن المحتمل ألا يعود للوحدة ثانية. وفي مختلف الأحوال، فمن المرجح ألا تتمكن السعودية والامارات من العودة للاستثمار به مجددا. إذ أن قراءة سريعة لتاريخ اليمن ستخبرهم بذلك. ولو أنهم أمعنوا النظر فيما أسفرت عنه الحروب الأميركية الفاشلة لعدلوا عن خوض هذه الحرب منذ البداية.
لقد بات من المسلم به أنه دون ممارسة المجتمع الدولي ضغوطا مكثفة على السعودية والإمارات فإن الحرب في اليمن ستستمر لسنوات عديدة تستنزف خلالها مليارات الدولارات السعودية والإماراتية. فضلا عن كونها ستفضي إلى نهوض ميليشيات مسلحة يقود نشوؤها إلى مقتل وإصابة الكثير من الشعب اليمني بعاهات مستدامة وتجويعه وإفقاره.
ما يثير السخرية أنه في الحين الذي ربما نشهد فيه سيطرة ما على اليمن، سيتبين بأنه لم يبق ما يستحق السعي للحصول عليه جراء ما أفضت إليه هذه الحرب من دمار.
بقلم: مايكل هورتن