سواء بالاعتماد على الجماعات الارهابية أم على الكيان الصهيوني أو عبر الاعتماد على بعض الأدوات والحلفاء مثل تركيا السعودية وقطر، أو من خلال تدخلها العسكري المباشر في تفاصيل الحرب على سورية وإقامة قواعد وتجنيد مرتزقة وإرهابيين والتموضع العسكري غير الشرعي في بعض المناطق بحجج إنسانية وأمنية وسياسية وما إلى ذلك.
وبرغم «الانجازات» المزعومة التي روجت لها الماكينة الإعلامية الأميركية والبروباغندا التي رافقتها بخصوص محاربة تنظيم داعش الإرهابي، فقد شعرت إدارة ترامب بعدم جدوى الاستمرار بمثل هذه السياسة بالنظر لما تكلفه من خسائر مالية كبيرة ـ تحدث الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن أكثر من سبعين ملياراً من الدولارات ـ وإمكانية أن تتسبب بخسائر عسكرية أكبر في المستقبل ـ لقي العديد من الجنود الأميركيين حتفهم في حوادث غامضة ـ كما قرر وبصورة فاجأت حلفاء أميركا وخاصة الكيان الصهيوني سحب القوات الأميركية الهزيلة من شمال شرق سورية على إيقاع معركة استعراضية مفبركة في ريف دير الزور «الباغوز» لحسم ملف داعش الذي تذرعت به واشنطن من أجل التدخل في سورية وإشاعة الفوضى والدمار فيها، وكانت الغاية من هذه المعركة الاستعراضية المزعومة التخلص من الأدلة التي تدين واشنطن وتثبت تورطها بإنشاء هذا التنظيم ومسؤوليتها عن جرائمه الكثيرة بحق السوريين والعراقيين..
قرار ترامب بالانسحاب من سورية، أحدث صدمة في الكيان الصهيوني صاحب الأجندات التخريبية التوسعية في سورية وأزعج اللوبي الإسرائيلي الداعم له داخل أميركا فكان لا بد من الالتفاف عليه بعدد من الإجراءات والقرارات التي تفرغه من مضمونه وتعود بالفائدة على إسرائيل بعد أن فشلت الأخيرة في الوصول إلى أهدافها المباشرة وغير المباشرة في سورية.
فعلى وقع خوض حرب اقتصادية على سورية وحلفائها وخاصة إيران وحزب الله شريكي الانتصار في سورية على الارهاب المدعوم أميركيا وصهيويناً جاء اعتراف ترامب المشؤوم بسيادة الاحتلال الإسرائيلي على الجولان العربي السوري المحتل ليكون بمثابة تحول خطير في السياسة الأميركية إزاء قضية الجولان بالتحديد حيث تجنبت ثماني إدارات أميركية متعاقبة الاقتراب من هذا الخط الأحمر لخطورته على الاستقرار في المنطقة وعلى إسرائيل العاجزة عن تحمل تبعاته، ليكون هذا التحول أشبه بإعلان الفشل رسمياً ولا سيما أن خطوة ترامب العدوانية لا تقدم ولا تؤخر ولا تعطي أي شرعية للمحتل بعد الرفض الدولي العارم لهذا القرار غير القانوني وغير الشرعي، وخاصة أنه يأتي في إطار نهج محدد لدعم نتنياهو المأزوم داخلياً في مقابل قيام اللوبي الصهيوني المؤيد لإسرائيل بدعم ترامب المأزوم أيضاً في انتخابات الرئاسة الأميركية العام القادم.
قبل اعتراف ترامب المشؤوم بشأن الجولان السوري المحتل قدم مجلس الشيوخ الأميركي اقتراحاً بفرض رزمة عقوبات جديدة على سورية لتكون اعترافاً واضحاً بفشل الأساليب العسكرية والإرهابية والسياسية الأميركية السابقة في فرض الأجندة الأميركية على الشعب والدولة والقيادة في سورية، وذلك في محاولة جديدة للنيل من صمود الشعب السوري الذي أفشل سياسات أميركا والغرب وأدواتهما على مدى ثماني سنوات من الحرب، كما جال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في المنطقة متوعداً ومهدداً حزب الله وإيران في إطار نفس السياسة الأميركية العاجزة سياسيا وعسكريا عن فرض إملاءاتها وشروطها على المحور الذي هزم إسرائيل في مناسبات عديدة ليس آخرها العام الماضي على حدود الجولان المحتل عندما تمكن الجيش العربي السوري وحلفاؤه من دحر تنظيم جبهة النصرة وباقي الفصائل الارهابية المتحالفة معه وإجبارهم على الانسحاب من المنطقة، وعودة الأمور إلى ما كانت عليه في بداية العام 2011، حيث راهن العدو الصهيوني خلال سبع سنوات من الحرب على إقامة منطقة عازلة على تخوم الجولان بالاعتماد على الجماعات الارهابية بوصفهم جيشه العميل، وهذا ما يؤكد مرة أخرى أن كيان الاحتلال الإسرائيلي يتحسب كثيراً لمعركة تحرير الجولان القادمة لا محالة مهما تأجل موعدها، وهو ما جعله يطلب من ترامب تقديم الجولان كهدية سياسية لنتنياهو تعويضاً عن الفشل الثنائي في خلق أمر واقع مختلف على حدود الجولان.
دليل آخر على الفشل الأميركي الصهيوني المزدوج هو سقوط الرهان على إنشاء «ناتو عربي» يأخذ زمام المبادرة في سورية في حال الانسحاب الأميركي، وعدم قدرة الدول المرشحة لتكون بين أعضائه على تسهيل مرور «صفقة القرن» بخصوص تصفية القضية الفلسطينية، رغم كل المحاولات التي جرت في هذا المجال منذ بدء ولاية ترامب وزيارته للسعودية عام 2017 وقراره المجنون بالاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة موحدة للاحتلال ونقل السفارة الأميركية إليها قبل أكثر من عام، وهو القرار الذي واجه رفضاً دولياً واسعاً وهبة شعبية فلسطينية مستمرة احتجاجاً لم تتوقف منذ ذلك الحين.
الحرب الأميركية على سورية لم تتوقف وهي تأخذ في كل مرحلة شكلاً جديداً وبعداً جديداً كنوع من تغيير الخطط والسيناريوهات التي تفقد قيمتها وتنتهي صلاحيتها باستمرار، وليس أدل على ذلك من عودة واشنطن لفتح ملف السلاح الكيماوي والطلب من مرتزقتها في إدلب القيام باستفزازات جديدة تحت هذا العنوان، بالرغم من انفضاح المحاولات السابقة، وذلك في سياق «تجريب المجرب» ولو أدى إلى نفس النتائج البائسة، وبالتالي التغطية على الفشل والهزيمة بفضيحة أخلاقية جديدة من عيار قتل المدنيين الآمنين بسلاح كيماوي ثم إلصاق التهمة زوراً وبهتاناً وتضليلاً بالدولة السورية لحشد بعض المؤسسات الأممية المخترقة إسرائيليا وأميركيا في إطار الحرب الجديدة ضد سورية.
كذلك لم تخرج واشنطن نفسها من ملف إعادة إعمار ما دمره إرهابها وإرهاب مرتزقتها في سورية، إذ مازالت تثير الموضوع بطريقة استفزازية وتقوم بتسييسه في محاول لفرض شروطها وإملاءاتها معرقلة بذلك عودة المهجرين، ولعل ما فعلته وتفعله في مخيم الركبان حيث الآلاف من المهجرين السوريين في وضع إنساني مزرٍ للغاية يشكل فضيحة سياسية وأخلاقية بحق إدارة ترامب التي تبقي على معاناة هؤلاء كجزء من ألاعيبها الخبيثة، بالرغم من استعداد الدولة السورية الكامل لإنهاء معاناتهم وإعادتهم إلى بلداتهم وقراهم في ظروف صحية تليق ببني الانسان بعيداً عما يتعرضون له بسبب الحصار الأميركي المفروض لغايات سياسية رخيصة.
باختصار الولايات المتحدة تخوض حروباً جديدة متعددة الأشكال على سورية لا تقل شراسة وإجراماً عن الحرب العسكرية، ولكنها موعودة بالفشل، لأن ما عجزت عن تحقيقه البوارج والطائرات والصواريخ ومئات آلاف الإرهابيين لن تحققه إجراءات اقتصادية أحادية أو ضغوط سياسية ضد دولة وشعب يؤمنان بالمقاومة.