ووجود هذه الحالات يشكل ضربة قوية، لكل من لايعترف بدور النقد، وبأنه هو الذي يعطي التجارب الفنية شرعيتها وأهميتها وقيمتها.
فمهمة النقد, وخلافاً لما هو شائع، أكبر من أن تكون توثيقية وتأريخية وتحليلية وتعريفية، فهو الذي يرفع تجارب ويمنحها صفة النبوة والريادة، وهو الذي يقوم بطمس تجارب أخرى، ويحذفها من تاريخ تطور الفنون الحديثة، وعلى سبيل المثال كان جبران خليل جبران يقول: أنه رسم في مطلع شبابه لوحة لوالدته، كان فيها أبو التكعيبية, وربما لأن النقد لم يتوقف عندها، ويعطيها حقها، تحول جبران عنها ولم يتابعها.
ومن يعود الى لوحات الفرنسي «فيكتور هيجو» يجدها أكثر عفوية من لوحات العديد من فناني جيله، وكان باستطاعة نقاد باريس منحه لقب رائد الوحشية، قبل عقود من منح هذا اللقب لمن جاؤوا من بعده بعقود. رغم أن «فيكتور هوغو» كان يقول بأن إدعاء البعض، ومن ضمنهم «بودلير» بأن نتاجه في الرسم, أفضل من نتاجه في الكتابة، هو نوع من الحسد والغيرة والمكر والتجني، الذي كان يرمي على حد قوله إلى التضليل والتقليل والنيل من نتاجه الأدبي والشعري.. وهذا يعني أن لوحاته ورسوماته، لم تكن حسب قناعاته ترقى إلى مستوى كتاباته، رغم أنها ساهمت، من وجهة نظر النقاد، بعفويتها المطلقة في قدوم تيارات الحداثة التشكيلية في مدرسة باريس، بعد مرور عقود على إنجازها، وما ينطبق على «هوغو» ينطبق على أسماء لاتعد ولاتحصى، وقعت ضحية تجاهل النقاد لها، رغم عناصرها التبشيرية.
facebook.com adib.makhzoum