ولكن الأذية الحقيقية لم تعد موجهة للمواطن بشكل مباشر بل عبر مستلزمات يومه، وليس بيده بل بيد التاجر ومن خلفه البائع، فحتى اليوم لم تنجح أي محاولات (إن افترضنا فعلاً أنها جادة) في وضع حدٍّ لكثير من التجار وجشعهم واستغلالهم المواطن في تسعير المواد على أساس الدولار يومياً، رغم أن القاصي والداني بات يعرف أنها مكدسة في مستودعاتهم منذ أشهر وعلى أساس سعر صرف أقل من الحالي..
لم يعد واقع الحال مقبولاً، فالمهرب الخارج عن كل قوانين الأرض بات خائفاً، في حين ما زال المئات من حيتان التجار يسرحون ويمرحون رافلين في نِعَم جشعهم وضرائبهم التي تتكدس في جيوبهم غير آبهين بوزارة المالية.. فلا هم يسددون الضريبة الحقيقية ولا هي -على ما يبدو- تتخذ الإجراءات الحقيقية..
إن لم يكن من قدرة لدى كل جهة معنية وضع حد لهذا الجشع فلتكن الفوترة (أشجعهم) في ذلك، فهي الوسيلة الوحيدة لمعرفة مصدر المادة وثمنها الحقيقي، وفي ذلك مؤازرة لحملة الجمارك التي فرضتها الحكومة، تلافياً لنواح بعض التجار على (الظلم) الواقع عليهم، كما هي الوسيلة لتقرير ضريبة حقيقية على أساس سعر المبيع دون وجود أي دور لـ (تفهّم) محتمل من مراقب الدخل لهذا أو ذاك من المتخمين..
عذر هزيل كل من يقول بعدم ملاءمة الظروف الحالية لتطبيق الفوترة، لأن كل ما عداها يبدو أنه غير فعّال في تأمين السلعة بسعر منطقي للمواطن، فإما يرتدع بعض التجار ويبيعون بسعر مقبول الربح، أو تفرض عليهم ضريبة من سعر المبيع فترتفع إيرادات الخزينة العامة للدولة، وكله في النتيجة يصب في مصلحة المواطن زيادة في الخدمات أو سواها مما تراه الدولة مناسباً، ويغلب الظن أن السعر المعقول سيكون الخيار الأقوى نظراً لسلوك بعض التجار ولهاثهم خلف جني الأرباح.